الأربعاء، 24 فبراير 2016

كيف توازن بين إستقلالية أبناءك و رعايتك لهم ؟

By 11:19 ص
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته






لابد أنك تذكر تلك الحالات التي مرت بك و أحدهم يحاول نصحك و توجيهك فيضيق صدرك و تشعر أن الكلام يجب أن لا يوجه إليك ، لأنك تفهمه وتعرفه مسبقا ولست بحاجة لمن ينصحك و من ينصح لا يفهمك أساسا ولا يوجه لك الكلام الذي يناسبك ، و ليس هناك قناة تواصلية بينك وبينه ... وهو ما يحدث في العادة بين أب و إبنه أو إبنة وأمها ... وكل يرى أنه على حق غير أن الآخر لا يفهمه ولا يستوعب ما هو فيه . 

وما ينقصهم فقط بعض من التحاور و الإستماع لبعضهم البعض حتى يوضح كل منهما وجهة نظره ... و هذه مسألة تبدأ مبكرا منذ ولادة الطفل ... نعم منذ ولادته وكل التربية تبدأ منذ ولادته و بعضها يبدأ قبل حتى إختيار أمه و ولادته... بحيث أنك بعد الفرح و البهجة التي تغمر قلبك بولادته ... يجب أن تعرف جيداً أنه يحتاج منك إلى أكثر من مجرد الطعام و الشراب و الكسوة ...و العقيقة ... و الحفل الأسبوعي المبهر ... 

فهو يحتاج منك أن تتق الله فيما تتطعمه و تحريك للحلال واجب عليك ، كما تتق الله فيما تتعامل به و تتصرف به و تكتسبه من أفكار و تتعامل به مع الناس ، هذا كله أنت مكلف به فعليك أن ترعاه رعاية جيدة في نفسك منذ ولادته و ربما قبل إختيار أمه أيضا ...

إن أردت حقا أن تجد التوازن بين ما يجب أن تعطيه من إستقلالية لإبنك و في ذات الوقت رعايته ... فعليك أن تبدأ المشوار مبكراً جداً ... في تدريبه و تعليمه على الحوار و الأخذ و الرد و الإستقلالية في إختياراته وفي ذات الوقت توجيهه بالنصيحة و تركه لتحمل مسئولية إختياراته بنفسه دون تعنيف دون معاقبة بل بتوجيه و نصيحة

و يجب أن تعلم جيدا أن هناك نوع من النصيحة يصلح أن يكون قبل وقوع الحدث بإعطاء أمثلة ... و هذا النوع يحتاج منك أن يكون بينك وبينه قناة حوارية و ثقة في رأيك مسبقة و إهتمام منك بالتفاصيل و إعطاء الرأي في حينه بما يبرره دون أن تفرضه فرضا ، فتبرير الرأي بإظهار مبرراته و تبيان حقيقته يجعل المنطق يدخل عقل إبنك مبكرا و يجعله يثق أكثر فيما تقول لأنه مبني على أسباب وليس فقط تسلط و تحكم وفرض للرأي لمجرد الفرض ، حتى إن كنت أب أو أم فلا يعني ذلك أنه يجب أن تفرض رأيك ... و هذه نقطة مهمة ... فإن أردته أن يسمع رأيك و قولك ... كن منطقيا مسببا لما تقول معطيا لرأيك قوة ثقة بعقلانية و بسبب وجيه و إن كان طفلك لا يعلم أبعاده و لكن ثقته فيك التي يجب أن تبدأ في زرعها منذ الولادة بعدم الكذب عليه أو خداعه أو إعطاءه أي معلومة خاطئة مهما كان . 

تذكر ... أن تعطي معلومة ناقصة و تكملها بلا أعرف و سأبحث عن المعلومة و أقول لك ،  خير من أن تخترع معلومات تلفقها و تسد بها عجز معرفتك ... و هذا سيفقدك الثقة مع الوقت ... 

و هناك نصيحة تصلح أن تكون بعد وقوع الحدث بحيث تستعمل الحدث نفسه لتبيان الأخطاء و تبيان الحسنات فيه و إعطاء مثال حي عن تجربة خاضها بنفسه بحيث يفهم ، و تأكد أن حوارك معه في سن مبكرة يجعل كلامك الآن أكثر وضوحا و أكثر تأثيرا و كذلك سيكون لك مرجعا كي تقول له : هذا جزء مما أخبرتك به من قبل إن كنت تذكر ، وتسوق المثال في شكل خبر وليس في شكل تعزير ... تذكير و تأكيد على أن ما قلته له أنت صادق فيه فيزداد ثقة فيك و يصدقك أكثر عند الحاجة ...

قد تحتاج إلى التعزير أحيانا و الحزم ولكن حاول أن يكون التعزير بمنطق وليس بتسلط ، أن يكون بحوار و سؤال و إنتظر إجابته و حاوره وإستمع منه لتعرف وجهة نظره فيها كي تبين له إن كان هناك خطأ ... و تذكر ... أنك يوما ما كان يضيق صدرك بمن ينصحك ولا يسمعك ، يضيق خاطرك بمن يأمرك دون أن يسمع رأيك أو يعطيك فرصة للحوار و قول ما تريد قوله و تبيان وجهة نظرك ... و تأكد أن من تحدثه الآن يحدث معه ذات الشيء ... فحاول أن تعطيه المساحة التي كنت أنت تحتاجها عندما كنت في مكانه .

إستعمال الحوار مهم جدا منذ الصغر ...  الوضوح والصدق و الصراحة مهمة جدا ... و كذلك التسبيب أو التبرير لكل ما تقوله حتى يكون واضحا له سبب و يكون مبني على حقائق وليس رغبات و تسلط ... 

ويجب أن تتذكر جيدا ... أنك أنت مسؤول قبل إبنك ... فلا تطالبه هو فقط بالتنفيذ و الإصغاء و الطاعة دون أن تقوم أنت بواجبك ... فمن واجبك أن تتريث في الحكم و تستمع له وما سيقول ... من واجبك أن تزرع فيه الثقة في نفسه وفيما يقول دون أن يخاف عواقب ما سيقول بل يفرح أن هناك من سيجيبه على تساؤلاته و إستفساراته بوضوح و تفهم و تحاور و يخبره مواضع خطأه ... 
الإستعجال و إعتقاد الكبار أن أبناءهم دائما صغار يجعل التحاور أمر في غاية الصعوبة و ربما يتحول إلى عداء صامت ... عداء لسماع كل نصيحة ... و رفض مستمر لكل كلمة ستقولها ... لأنك لم تكن القدوة ولأنك لم توصل مفهومك ولأنك وهي الأهم ... لم تعطني فرصة لأوضح لك وجهة نظري لكي ترى بنظرتي في زمني أنا الذي أعيش والذي يختلف عن زمنك أنت و مهما فعلت قد لا تصل إلى مرحلة فهم لغة زمني في فهم الأمور و معطياتها و إن كنت مكاني ... كنت ستتصرف مثلي ... فأعطني فرصة لأخبرك و لتفهم جيدا حتى يكون حكمك على الأشياء صحيحا

فيجب أن تراجع نفسك جيدا و تعرف متى تتحدث و متى تصمت و متى تعلق بحزم و متى تعلق بتساؤل و كيف تسوق نصيحتك ... و ماذا تقول و كيف تقوله مهم جدا ...

من أكثر الأخطاء إنتشار في التربية ... هي الإهمال طوال سنوات التربية الأساسية التي تبدأ منذ الصفر حتى البلوغ ... و من ثم ينتبه الأب أو الأم أن إبنهم الصغير ذاك ... قد كبر و أصبح يتصرف بتصرفات غريبة لم يعهدوها ، وهي تصرفات طبيعية جدا في ذاك الوقت ولكنك أهملت وتركت ولم تهيء و أتيت الآن و تريد أن تتدخل ، فسيكون عملك شاقا أكثر ممن بدأ التربية منذ الصغر و ربط الروابط مع إبنه بشكل أفضل و حقق فيها الكثير حتى أصبح بالإمكان أن يكون جالسا و يأتيه إبنه ليخبره عن ما حدث معه في حياته و يستشيره و يجد أنه يستمع له لأنه يثق فيك منذ زمن ... و يعرفك و يعرف رأيك منذ زمن و كبر عليه وله فيه ثقة ، بعكس من تعرف على إبنه بعد البلوغ و لم يكن بينهم أي تجاذب أو إنجذاب ... فيتصرف الأب بتسلط حتى ينفع إبنه و يتصرف الإبن بتمرد حتى يخرج عن سلطة أبيه ، وهو في سن تخوله أن يخرج عن سلطة أبيه لأنه أصبح بالغ ، و الخروج عن سلطة الأب يجب أن تكون تحت إشراف الأب حتى يستطيع إعطاءه إستقلاليته وفي ذات الوقت يرعاه إلى المرحلة التي يحتاج فيها الرعاية و تنتهي هذه المرحلة بتقديم النصائح فقط و الثقة في قراراته التي سيعيش بها حياته هو ... 


فهل أنت قادر على فعل هذا؟ 

نعم انت قادر ولكن عليك أن تبدأ مبكرا و إن لم تكن قد بدأت فبإمكانك أن تبدأ الآن ... بإزالة الحواجز بينك وبين إبنك بمصادقته حقا و الخروج من حذاء الأبوة و إرتداء حذاء الصداقة حتى تتقرب إليه و تكسب صداقته ليتقبل منك النصيحة التي ستكون هي رعايتك له في إستقلال حياته . 

مع ملاحظة أن ما سبق لا يخص الإبن الذكر لوحده ولكنه يخص الأبناء من ذكور و إناث معا مع ما لكل منهما من خصوصية...و مع إختلاف طبيعة الأنثى و حاجتها الدائمة للولي و لمن يرعاها حتى تنتقل إلى ولاية زوجها ، و الحوار معها أيضا يجب أن يكون مع الأب كما مع الأم ، فكثيرا ما يخطئ المربي في مسألة إهمال الفتاة بحجة أن مواضيعها كلها تناقش مع الأم و هذا خطأ ... فهناك مواضيع كثيرة يفيد فيها الأب إبنته أكثر من الأم و هو واجب الأب أن يفتح ذات المجال للحوار مع إبنته حتى يعلمها حقا كيف تكون الإبنة و الأخت و الزوجة التي يجب أن تكون و يعزز فيها روح الأنثى التي ستدعم بها رجلا يسلمها له عن علم و عن وعي ليعرف حقا لمن سلمها و إتأمنه عليها وهو يعلم أنها لن تخونه لأنه أشبعها بحنانه و حضنه و وسع صدره لها و أعطاها إستقلاليتها في الحدود التي تحميها و تحفظها من كل سوء بما لا يتعارض مع الفطرة ... 

بالتالي حاول أن تبدأ مبكرا في كسب ثقة أبناءك ... و مبكرا في إعطاءهم جرعتهم الكافية من الحنان و العطف و المحبة و القبلات و الأحضان ... و مبكرا في التحاور معهم بمنطق واعي و إسلوب واضح مبني على المنطق و التبرير و إبدأ الأسباب و الوضوح التام بحسب فترتهم العمرية ... و تذكر أنهم يجب أن يخوضوا حياتهم بأنفسهم وأنهم بمجرد البلوغ ... لم يعودوا أطفالا ولا صغاراً مهما نظرت إليهم  على أنهم كذلك ، فلا تكرر أخطأ غيرك في التعامل معهم على أنهم أطفال بعد بلوغهم و بداية تكليفهم ... 

كل هذا من مسئوليتك أيها المربي ... أبا كنت أو أما ... و هو في الأهمية أعلى مرتبة من أهمية أكلهم و شربهم و كسوتهم ... و نمو أجسادهم الذي لا ولن تتدخل فيه إلا بالغذاء و البقية على الله ... 

ولكنك مسؤول مسؤولية كاملة عن نمو عقولهم و تعلمهم حمل المسؤولية في عمر مبكر قبل البلوغ ... وتعلم أمور دينهم الأساسية التي سيمارسونها في كل يوم من ايام حياتهم ولا تكتفي بتعليمهم لها شكلا و حركات فقط بل إحرص على غرس مفاهيمها في عقولهم بعد أن تكون قد غرستها في عقلك انت ... حتى تضمن أنهم سيعرفون كيف يتصرفوا عندما ينطلقوا في الحياة التي سيحاسبوا عليها هم وليس أنت كما أنك ستحاسب على ما قدمت لهم و تذكر أن لهم عليك حق كما عليهم لك حقوق ... فتخلق أنت التوازن بين إستقلاليتهم و رعايتك لهم بالنصح و الإرشاد الذي هيأت له منذ البداية ... 




شكراً ...