الجمعة، 29 يونيو 2018

كيف أصبح طعم الأشياء مختلف عما كان عليه؟

By 1:30 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 



لابد وأنك حدثت نفسك بهذا الأمر من قبل... فلم تعد الكثير من الأشياء تحمل ذات الطعم الذي كان في السابق... ولا المتعة التي كانت تحملها الأشياء على بساطتها... فعلبة التونة الواحدة كانت تكفي تسعة أشخاص ويستمتع الجميع بها وبطعمها، رغم قلتها وندرة تكرارها... 

وإن لاحظت فإن هذا الأمر بات يتسارع أكثر من ذي قبل، فما كان يحتاج لسنة أصبح يحدث في شهر وربما أقل... فالتسارع في إنتشار المعلومات وكثرة المنتجات وتحديثاتها وظهور جديدها، كتسارع البشر نحو جني المال لهثا وركضا منسيا للحال ومضيعا للوقت مقلّا للبركة، إلا من رحم الله. 

ولكن حقا... لما لم تعد الأشياء بذات الطعم الذي كانت عليه؟
الاسئلة متكررة في ذهنك الآن... تذكر تلك الشطيرة؟ قطعة الحلوى... صحن السلطة "الشرمولة" طعم الطماطم كان مختلفا وكذا الزيت والخبز... مختلف تماما... حتى وإن كان في صحن رخيص وضع على قطعة نايلون أو بعض جرائد كي لا يتساقط فتات الخبز على ما تحته من فرش... أتذكر؟ كيف كان ذاك الطعم والأيدي تتخاطف اللقيامات؟ لما لم تعد تجده الآن كما كان فيما سبق في الأشياء البسيطة حتى وإن حاولت جمع مقاديرها مجددا معا اليوم؟. 

قيل أن الرضيع الذي يعتاد على الحليب المعلب يرفض حليب أمه... ذلك أن حليب العلب أكثر حلاوة في فمه... 
وكذلك من جرب الخبز الأبيض ... لم يعد يستسغ الخبز الأسمر... كما أن الزميتة لم تعد محببة لمن إعتاد البريوش والحليب المخفوق... والتمر لم يعد مصدر السكر المحبب لنا... وإن كنا نعرف فائدة تلك الأطعمة... 

كانت الأشياء أكثر طعما لأننا لم نكن نعرف أو نجرب غيرها... كانت أفضل لأننا لم نكن نتطلع لما هو غير ولما هو ليس بين أيدينا وربما لأننا لم نعرف غيره من الأساس لما هو مختلف الطعم ... ولأنها كانت أفضل ما لدينا وكنا به نقنع... 

شطائر التونة، مشروب البتر الغازي، الطعمية من مقصف المدرسة، أو زجاجة الميرندا التي تشبه الفيتامن سي الفوار في طعمها... أو البيض المقلي أو حتى من إعتاد على خبز وزيت وسكر... كان طعمها مختلفا... كما كانت الحلوى الطحينية التي يبدو أنها لم تعد في قائمة الطعام في البيوت إلا ما ندر... لعدم رغبة الأجيال بها وبطعمها...

حتى السيارات الغير مكيفة تلك التي ليس فيها أي نوع من الكماليات كانت أفضل لأننا نراها ولا نرى غيرها وربما جميعنا يركبها راضيا وإن كانت شمس الظهيرة تلفح الظهر واليد اليسرى تكاد تكون ببشرة سوداء أو حمراء مختلفة عن اليد اليمنى... ولم يكن هناك شكوى من قلة قطع الغيار لأن الحل البديل المعروف بالتلفيق أو "الموديفكا" هو أول ما يخطر على البال لأنك لا تتطلع لغيره وأنت به راض... كنت تسمي قطعة اللحم العالقة بين ضفتي الخبز وعليها بيضة مقلية وقطعة جبن إن وجد برجر وتفرح فرحا شديدا إذا ما تناولتها وتشعر أنك أصبحت ملكا إذا ما شبعت بها... أتذكر كيف كان الإحساس بالأشياء البسيطة؟
... 
شطيرة التن ( نص بالتن أو بالطن ) كانت الأفضل لأننا لم نعرف البرجر والسكالوب ولا الشاورما والفاهيتا ولا الأسماء المخترعة حديثا وإن كانت كلها تحمل ذات المقادير... ولكن طعمها يختلف لأن العقل يقول لصحابه أنت تأكل البربكيو ولست تأكل المشوي... 
ولم نكن نعرف البريوش ولا الشكلاتة التي كان أفضلها شكلاتة تصنعها الأم في البيت أو إن كنت محظوظا شكلاتة ورد لأنها الشكلاتة الوحيدة التي عرفناها فكانت بالنسبة لنا أفضل من شكلاتة سويسرا التي لم نكن نعرفها على كل حال وكنا مقتنعين ومرحبين بهذه الحلاوة التي تذوب في الفم فتنعش النفس والرضا تسقيها...

معرفتنا بكل جديد جعلت من الطعم لما نعرف يتغير في مستقبلات الطعم في أدمغتنا فأثرت على إختياراتنا وقراراتنا ولم يعد الطعم الأول يرضي ولا يرسل ذات الرسائل الممتعة للطعم الذي كان أفضل ما يعرفه، فقد بات يحير في الإختيار بين هذه وتلك...وإن كنا نعلم أن ما لا نستطعمه ولا نريده أكثر صحة من غيره، وهل يعلم الرضيع ذلك؟ لا ولكن عقله يقول أريد الأحلى... وإرتاحت الأم من الرضاعة على كل حال... 

لذا  تغير طعم كل شيء الآن ، فقد فتحت علينا أبواب الدنيا بكل الخيرات وتذوقنا الكثير... أكثر من شطائر التن وربما باتت أعيننا ترى أكثر مما نتذوق فلم يعد ما بين أيدينا يعجبنا ولا يسلينا... وبقي ذاك الطعم وتلك المتعة التي كان مصدرها القناعة حلما يراود الجميع وحسرة في قلوب الكثيرين عندما تحدثهم عن أي شيء قديم كان له طعم القناعة أنه أفضل ما هناك... 
ولعل إنتفاح أبواب الدنيا وتنافسنا عليها نزع من قلوب الكثير منا الرضا والتأخي والمحبة التي كانت تتوفر مع لقيمات قليلة... ورضا في القلب كثير... وهو ما زاد من مرارة طعم كل ما نأكل وأذهب الكثير من لذة حياتنا التي عهدنا ونحن نسأل لما حدث ذلك... ورغم تناولنا لكميات كبيرة من كل شيء إلا أننا نادرا ما نشعر حقا بطعم ما نأكله... إلا من رحم الله منا... 

وهنا يظهر الفرق بين أصحاب الرضا الذين يقنعون بما بين أيديهم وبمن يعلق العقل عندهم بما لم يمتلكوا فتمتد أعينهم لما ليس لهم، فلا هم عليه حصلوا، ولاهم بما بين أيديهم إستمتعوا... 

وبذلك قد تكون البركة فيه قلت والكمية مهما كثرت لم تعد تكفي، والطعم الذي لم يتغير، لم يعد صاحبه يستطعمه كما كان عندما إمتلك القناعة...
وقد لا يتوقف تأثير ذلك على الأطعمة فقط... فحتى المعروض في الشوارع وكل وسائل المعلومات من فتيات بات يفسد على الزوج زوجه وعلى الأسرة بيتها وسيارتهم واحذيتهم حتى لم تعد مرضية... ولعلك لاحظت الإختلاف في المناسبات وفي الزيارات الأسرية وإجتماع الأسرة بين الماضي عندما كنت صغيرا لا تدري عن خصام هذه الزوجة مع تلك ولا الأخت وأمها ولا الأب وأخيه... وكان كل همك في أن تلعب وأنت تظن أنك أسعد إنسان لأنكم زرتم بيت جدك وإجتمعت بأبناء عمك وخالك... وربما الجميع لديهم ذات الأحذية... 

إن أردت إسترجاع ذاك الطعم الذي تتذكره الآن وتكاد تستطعمه برأس لسانك...
إحرص على الرزق الحلال... والقناعة والرضا الذي عليك أن تفسح له المجال في صدرك حتى يرتاح وتهنأ أنت بإتساعه... 
إحرص على الحلال لتقيم عندك البركة ولا تغادرك... أغمض عينيك عن ما تمتع به غيرك وإصنع لنفسك حياة تستطيعها أنت دون لهث وراء ما لدى الآخرين... ولا تبحث عن ما يتمتع به الآخرين... فمتعتك تختلف عن غيرك وكلنا نختلف عن بعضنا بدرجات...

جرب تغمض عينيك عن ما لدى غيرك وإبحث عن الحلال... وستعرف كيف يعود طعم الأشياء أفضل كما كان عليه... 


شكراً...