السبت، 23 ديسمبر 2017

كيف تبعد أبناءك عن مواقع التواصل و توازن بينها رغبتهم فيها وبين حياتهم الطبيعية

By 9:42 ص
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته



لعل أول ما يخطر ببالك هو مه هنوان كهذا هو... ليبتعد الأهل عن مواقع التواصل أولا حتى يبتعد الإطفال ... وأن الأطفال يتبعون أهلهم ويقلدونهم ليس إلا ، وإذا كان الأهل يلصقون وجوههم في هواتفهم طوال النهار ، فما المتوقع من الأبناء؟

ما تفكر به صحيح ومنطقي جدا فكما تسمع و تردد دائما ، إذا كان رب البيت بالدف ضاربا ...

ولكن حقا ما الطريقة التي يمكن بها إبعاد الأبناء عن مواقع التواصل بحيث يكون  وقتهم أكثر فائدة وعقولهم أكثر تفتحا ويكونوا ، وهو الأهم ، أقرب إلى أهلهم... أكثر إتزانا في إختيار ما يفعلوا بأوقاتهم... 
ولعلك الأن تفكر ماذا إن كان إبني قد علق في هذه الدوامة بالفعل؟
و غيرك يسأل الحمد لله لم نصل إلى هذه المرحلة بعد... 
وآخر يقول فشلت تماما في نزعه منها كما لو أنه نبت فيها وأدمنها... ناهيك عن أولائك الذين يفرحون أن هناك ما يشغلهم عنه و يجعلهم في صمت مستمر حتى يشعر هو بالراحة ... إلى حين 

وأكثر ما يفسد العلاقة بين الأبناء وأهلهم ... عجز الأهل منذ السنوات أو الأيام الأولى لعمر طفلهم عن تكوين روابط نفسية صحية وقنوات تواصل أمنة ليس فيها خوف ولا تعنيف ولا تراجع وهرب من تحمل مسئولية سيحاسبوا عليها ممن يخشونه أكثر مما يحبونه أو يثقون به... الأم والأب... 
وفشل الأهل في ذلك يعود لعوامل كثيرة أهمها إحساسهم بالفوقية تجاه أبناءهم... لا تسيء الفهم ليست فوقية تعالي إنما هي فوقية الفهم وأنهم يعتقدون أن هذا المخلوق الصغير لا يعرف ما يعرفون... وهو لا يقدر حالهم ولا يدري ما بهم من ضغوطات ، متناسين أنه همهم الأول في الحياة وهو من الأشياء القليلة التي ستبقى بعد موتهم تساهم في رفع درجاتهم، و رغم ذلك يهملون ما سيؤهله لذلك و يهتمون بإطعامه و علاجه لا أكثر ، إلا من رحم الله... 
واجب عليك أن تتعلم و تعرف كيف تصنع الإنسان و الخطاب هنا يبدأ من الأم التي هي الوصلة الأولى للطفل منذ نفخ الروح فيه في رحمها ، حتى بلوغه سن المدرسة (بإعتبارها السن التي ينفصل فيها الطفل عن امه و يقضي معظم يومه بعيدا عنها) ولكن قبل ذلك... الأمر بيد الأم و يكون دور الأب حينها إشرافيا للمتابعة و التدقيق فيما نسته أو تغافلته الأم لكي يصحح ويوجه والأهم أن يسعى للحلال حتى ينجح الإثنان في تنشئة هذا الإنسان المحب لله ولهم... 
وننبه هنا من العادة السيئة  التي جرت من تحجج المراة بأن الدور دور الأب و تحجج الأب أن الدور دور الأم... الأصل الحاضن هو الأم و الأصل المشرف الموجه الموفر لكل شيء هو الأب ، فالدور مشترك ويجب أن يكون هناك مشرف و مشرف عليه في هذه العملية... فتقصير أحد الأطراف لا يعفي الأخر من أداء واجبه... مهما حدث


إذا ما شعرت بالعطش و رغبت في الإرتواء.. وأردت أن تشرب فإنك ستبحث عن كوب ماء لتروي هذا العطش... وهب أنك لم تجد إلا كوبا واحدا فقط... وكان به شيء من العصير... هل تراك ستستعمل الكوب كما هو و تملأه بالماء لتشرب؟
بالتأكيد لن تستطيع إستعمال الكوب إلا إذا أفرغت ما فيه وجهزته لإستقبال ما ستسكب من ماء لتشرب...


من أهم أسباب إلتصاق الأبناء وربما الجميع بالإنترنت هو بحثهم عن ما يسليهم ، بحثهم عن ما يشعرهم بالإنتماء ، ومع وجود الإعجابات والتعليقات والكثير من المجاملات ، يشعر الأبناء أنهم مرحب بهم وأن لهم شخصيتهم و يستطيعون التعليق على أي منشور و نشر أي كلام يمر بخواطرهم أو صور يتناقلونها ولا أحد يأمرهم بأن لا تفعل هذا ولا تفعل ذاك ، ناهيك عن الحوارات التي تشبع الفضول وأحيانا تقود إلى البحث عن معرفة ما لا يجب أن يعرفه في ذاك العمر أو معرفته بشكل خاطئ تماما... وما يجعلهم يبحثون عن ذلك هو فدقان هذا الإهتمام وهذه المساحة في بيوتهم... بالتالي هم يعرضون عن أحاديث الأسرة إلا ما ندر منها لأنها عادة تكون أحاديث توجيهية توبيخية أو تقليل من القدر و الشأن لعدم فعل شيء ما بالشكل المطلوب، و يسعون دائما للربط مع العالم الذي يجدون فيه التشجيع لأنفسهم ويجدون إنتماءهم له أكثر تطمينا للنفس من الحديث مع الأهل و إسلوبهم المتعالي في محاولة إظهار انهم أقدر وأفهم وأعلم بما ينفعهم وإن كانت نظرتهم خاطئة أو أن إسلوبهم هو الخاطئ...

إذا عليك أنت كمربي أن تفتح المجال بينك وبين أبناءك لكي تملأ كوبهم بما يمنعهم من ملئه بما لا يليق... وتملأه أنت بما أردت... ولابد أن تعرف ما يجب ولا يجب في كل مرحلة من مراحل حياتهم... (لفعل ذلك إهتم بنفسك الآن إملأ وعاءك بما ترغب في أن تملأ به وعاء أبناءك لاحقا... وتذكر أن الدراسة الأكاديمية لن تعلمك ما يفيد أبناءك لاحقا فلا تركز عليها وحدها) 

لذلك يجب عليك أن تتوقف عن التعامل مع أبناءك أنهم صغار لا يفهمون و تبدأ في محاورتهم بالمنطق والعقل والسببية ، وأن تصل معهم لمرحلة الثقة برأيك (سبق وأن عرضنا كيف تجعل إبنك يثق بك بمثال و تجربة يسهل تطبيقه) حتى تستطيع توجيههم بالطريقة الأسلم لهم وبما يناسبهم... بدون أن تجد معارضة تذكر منهم اللهم يكون نقاشا وطلبا للتوضيح ، وهنا يجب أن يكون لديك سبب لكل ما تفعل وليس فقط أنت من يريد ذلك... وليس فقط مسألة رأي شخصي تريد أن تفرضه...

الحوار بينكم وبين بعض ، الحديث المستمر ، السؤال عنهم ، عدم تركهم لفترات طويلة بعيدين عنك جالسين في غرفهم ، لا بد أن تناديهم و تطلب جلوسهم معك و يكون بينكم حوار وحديث وإستماع  لهم وما يقولون و تأييد ما يصيبون به وتصحيح ما يخطئون به بإسلوب الحوار والحث على البحث. وليس بإسلوب أنك أنت السيد وأنك أنت من لا يشق له غبار وأنك أنت من يجب أن تسمع كلمته ... آجل يمكنك إستعمال هذا الأسلوب هذا حين الحاجة عندما يكون هناك إحتياج حقيقي لإتخاذ قرار حازم وتقرير ما يجب أن يفعل مما لا يجب أن يفعل... لا تستعمل هذا الإسلوب دائما فهو مضر بك أكثر مما تظن أنه ينفعهم ... ولا ينفع... فهو يجعلك تماما كالقط... إن وجدت فكل شيء بخير... وإن غابت... ألعب يا فار... 

فإن أردت أن تبعد أبناءك عن مواقع التواصل إلا قليلا بما يناسب النمط المعيشي ... فكوّن البيئة الحاضنة لهم والبيئة التي يشعرون معها بالإنتماء لهذا التكوين الأسري، وهنا يأتي دور الأم وإشراف الأب في أن يكون لكم موعد للغذاء تجلسون فيه جميعا معا ، أو عشاء أو يكون لكم جلسة يومية لا يتخطاها أحد أيا كان وقتها بجمعهم جميعا حولكم مهما كان عمرهم، ويجب أن يكون لكم نشاطات مشتركة جميعا كأسرة ، بحيث يشعر الأبناء و تشعر أنت و وزوجك بأن هناك ما يربطكم ببعض و يتولد لديكم شعور بالإنتماء ... ذاك الشعور الذي يبحث عنه كل إنسان وغالبا في مجتمعات أهملت الأم دورها وبدلته بأدوار أخرى إعتقدت أنه أفضل لها و لتطورها و محاربتها الماضي وإلتهى الأب عن دوره وسلم فيه لزوجته ليرتاح أو يستغل رغبتها في أخذ دوره ،  يجد الأطفال هذا الإنتماء مع الأصدقاء وفي مواقع التواصل وبين أزرار الهواتف... و التي لا تدري إلى أين قد توصل إبنك أو إبنتك ... في منحدراتها الكثيرة... 

ملاحظة أخيرة... إحرص على أن لا تشتري إلا الألعاب الجماعية عند شراء الألعاب لأبناءك ، حتى الألكتروني منها ، هناك ألعاب جماعية لا تصلح للعب بشكل منفرد... و ليجتمع الجميع على تلك اللعبة مرة كل حين ، حتى وإن كانت لعبة ورقية أو لعبة كلمات أو جماد حيوان نبات... إن كان عمر الأبناء يسمح... حتى بدون كتابة... فكر في كل ما تفعله فهو جزء من بناءك لهم... ولشخصياتهم.

إذا ما شعرت بالعطش و رغبت في الإرتواء... وأردت أن تشرب فإنك ستبحث عن كوب ماء لتروي هذا العطش... وهب أنك لم تجد إلا كوبا واحدا فقط... وكان به شيء من العصير... هل تراك ستستعمل الكوب كما هو و تملأه بالماء لتشرب؟
بالتأكيد لن تستطيع إستعمال الكوب إلا إذا أفرغت ما فيه وجهزته لإستقبال ما ستسكب من ماء لتشرب...ولن تأخذ كوبا فارغا و تتظاهر أنك تشرب ومن ثم ترتوي...

وهو تماما ما يجب أن تفعله مع أبناءك الذين ينشغلون بالإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي... لأن كوبهم فارغ فوجدوا بما يملأوه... 

تذكر أن التربية هي ببساطة... صناعة إنسان ... وصناعة الإنسان تحتاج إلى صبر وتفاني... ويجب أن تعلم جيدا... أن كل مخلوق سيكبر حجمه وإن لم تفعل له شيئا فهي الطبيعة... ولكن العقل يحتاج لما يغذيه حتى يكبر... فهمتني؟

إحرص على أن يكون ما تسكب في أكواب أبناءك شيئا نقيا... 

ولا تنسى أنك أنت أيضا بحاجة لتنظيم وقتك معهم ومع ما تشعر أنك تنتمي له... 

شكراً...