الأربعاء، 1 أغسطس 2018

كيف أعيد لنفسي الثقة التي فقدتها...

By 12:48 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 


لكل منا تركيبته وطبيعته ومجريات حياته وتفاعله معها مما شكل شخصيته وقناعاته ونظرته لما حوله...
ولعل أهم عامل من العوامل تشكل الشخصية هو الإختيارات التي نختارها نحن مع كل ما يواجهنا في حياتنا مما ينتج عنه نتائج نجد أنفسنا معها أمام خيارات جديدة وتكون إختياراتنا مطروحة بدعم مما سبق من تجارب والتي ستؤثر على ما سنختار بحسب إعتقادنا لما سينتج عنها ... وما أن ينتج عنها ما توقعنا أو لم نتوقعه حتى تفتح أمامنا أبواب خيارات أخرى... لتتشعب الخيارات وتتوسع ويحتاج كل منا لخبرته وخبرات أخرى معه ليعرف ما الأفضل بالنسبة له ظنا... ولا يقدم أحدنا على فعل شيء... إلا وهو موقن أنه سيجلب له المصلحة أو يدفع عنه المفسدة... على الأقل عندما يكون في لحظة الإختيار هكذا نظن...
ومما يقلل فرصنا في إختيار ما نراه لنا مناسب هو تسليم أمرنا... طوعا أو كرها بطواعية... لمن حولنا ليقرروا لنا ويحددوا أي إتجاهات في حياتنا نسير...
وتأكد أن ذلك طبيعي جدا عندما تكون طفلا لك أهل يهتمون لأمرك ويفعلون ما يرونه هُم الأفضل بالنسبة لك... أو تكون مرؤوسا تتبع فريقا يجب أن تعملوا جميعا معا لتحقيق هدف المؤسسة التي فيها تعمل. 
ولكن على الصعيد الشخصي وما أن تبلغ وتصبح مكلفا، فإنك عندها تملك الخيار في أن تستمر في تسليم أمرك كليا لأهلك أو جزئيا أو أن ترفض ذلك جملة بحيث تقف في مساحة وسط إما أن تفقد فيها إختياراتك بسبب إختيارك بالتسليم أو أنك تملك نفسك وتتقبل النصيحة ممن حولك لتحدد أنت خياراتك... 
وكله بإختيارك... حتى ما فرض عليك... أنت اخترت القبول به ولَك إختيار رفضه وتحمل تبعات رفضك له... 

وما الذي يجعل أحدنا يفقد الثقة في نفسه؟
أسباب كثيرة ومقادير معقدة لا يمكن حصرها في قائمة بسيطة فنحن كائنات معقدة جدا تتدخل الملايين من الإحتمالات في تكوين ظروفنا...
ولكن الثقة بالنفس تعزز في الطفل من أهله ومحيطه... كبداية... 
بداية من تركه ليقوم بنفسه عندما يسقط على الأرض وعدم الإسراع لرفعه ليعتمد علينا دائما...
الى إعطاءه مساحة كافية لإتخاذ قرارات في بيئة محمية ومكافأته على الإختيار الصحيح ودعمه فيه ليعلم أنه قادر على أن يقوم على أشياءه بنفسه دون مساعدة... إلى إخضاعه لتجارب يجد فيها نفسه مجربا على أخذ قرارات تحقق مصلحته وتبعد عنه الخطر...

ومن العوامل التي تُفقد أحدنا الثقة في نفسه من يحيط به من أصدقاء ... والإعتماد في ذلك لمدى سماحك أنت لهم بالتأثير عليك... بحيث تكون أنت مؤثرا أم متأثرا بهم وبكيف يتعاملون معك ومع إختياراتك وهم حولك... ومدى تقبلك لرأيهم فيك أنت وطبعه على نفسك...

إن سمحت لغيرك أن يقرر لك وأن يأخذ حقك في الإختيار بشكل دائم ولم تحصل أو تأخذ فرصة إتخاذ قرارك بنفسك...
فإنك ستكون أكثر عرضة لفقد الثقة بنفسك من غيرك...

وإن أكثرت من الحسابات ودخلت في التفاصيل البعيدة التي قد تكون وقد لا تكون مرتبطة بما تحاول إتخاذ قرارك فيه... مما يؤدي إلى بناء حواجز وعوائق أمام عقلك تجاه الإختيارات المطروحة أمامك مما يخيفك ويشل حركتك ويهدم ما أنت مقدم عليه...
وقد تلاحظ أن غيرك لا يفكر كثيرا للإقدام على فعل ما تخشاه أنت...
ذلك أن اُسلوب نظرتهم لتلك الإختيارات أكثر بساطة بإستبعاد الإحتمالات الأساسية والنظر للنتيجة القريبة التي ما أن تصلها حتى تجد أن باب الإختيارات التي تليها قد فتح وحتى تصل إلى هناك... لست بحاجة للتفكير فيها بشكل دقيق كما فعلت أنت فعطلت على نفسك إتخاذ القرار الآني وخفت من عواقب لا وجود لها وأصابك بذلك الرعب... 
وقد يكون ذلك أحد الفروق بين من يقدم على أفعال يراها البعض خطرة ويتهرب منها وينجزها هو بسهولة يستغرب لها الآخرين ...
كالسير على حبل معلق بين مبنيين شاهقين...
أو إختيار تخصص دراسي... أو حتى أداء واجباته في وظيفته أو مدرسته أو التحدث أمام الجموع... 

فأنت اليوم لست إلا نتيجة لسلسلة من الإختيارات التي مررت بها وإخترتها دون غيرها...
ومما يؤثر على ذلك هو الخوف من نظرة من حولك لك...
فتبدأ في بناء الإحتمالات... التي قد لا تكون موجودة عند وصولك لنهاية الخيار الذي أمامك...
ومن تخيل الإحتمالات إلى تجسيدها والخوف منها والهرب قبل إنجاز أي شيء... لتنتهي بحمل الفشل الذي يثقل نفسك ويزيد من هروبك من المواجهة ليتولد لديك شعور عدم الثقة بالنفس. 

إن فعلت ذلك سيهزأ بي فلان وسيقول عني فاشل وسيخبر الآخرين وسيلتصق بي الفشل حتى أموت ولن أستطيع التخلص من هذا العار... العار مخيف لابد أن أهرب ... لا يجب أن أقدم على فعل كهذا... لا لا ... يجب أن أتوقف... فعدم فعل شيء لن يعرضني لذاك الخطر...

فتتسارع نبضات القلب ويتعرق الجبين ويبدأ العقل في أخذ إحتياطاته لحمايتك من خطر محدق ... لا وجود له... 
مما يدفعك للتراجع لكي تنجوا بنفسك ويعود كل شيء لطبيعته وتكون في مأمن من كل خطر... بفعل لا شيء... 

فهل حقا رأي الآخرين بك مهم؟
هل تعيش لهم أم لنفسك؟
هل يجب أن ندعم هذه الوسوسات ونغذيها أم علينا أن نحسب حساب اللحظة دون تراكم التوقعات بعيدا عن الواقع؟
هل يجب أن نخضع لهواجس خيالية ندعمها بترجمات خاطئة لنظرة فلان وكلمة فلان وإسلوب حديث فلان وعدم تعليق فلان وإستهزاء فلان؟
أم نثق في أنفسنا ونشق طريقنا مركبا يبحر نحو مرفأه الذي حدد لنفسه ركب من ركب وقفز عنه من قفز؟
إعادة الثقة لنفسك بنفسك تكون دائما في عكس كل ما ذكر أعلاه، وما هو إلا جزء من أجزاء التركيبة التي قد تؤدي إلى فقدان الثقة... فدفاعاتك هزمت أمام خيال انت رسمته، وسمحت لغيرك أن يدعم ذلك في نفسك... 
ولذلك عليك أن تعيد ترتيب إختياراتك... التي بها تحدد مسار حياتك...

- إختر أن لا تخشى الناس ولكن لتكن خشيتك من الله ولا تختر أن تحسب حساب الخوف من الناس بدلا من الخوف من الله، وأنت تعرف جيدا لما عليك ذلك... وتأكد أن الطاقة التي سيمدك بها الإيمان بالله أقوى من أي طاقة أخرى مؤقتة... ذلك أن مصدر هذه الطاقة لا ينضب... 
- إختر أن تحدد لنفسك أهدافا في حياتك، وأن تقسم أهدافك لمراحل صغيرة لتتشجع أكثر كلما أنجزت جزئا من تلك المهمات التي ستقربك إلى هدفك... وإياك أن تتوقع أنك لن تواجه العوائق والتحبيط والمحاربة من حولك... فعدم وجود تلك العوائق وهم كبير، وليس منا من لم يواجه العقبات تلو العقبات في طريقه لتحقيق ما يريد، والفارق بيننا هو فقط، كيف نتعامل مع هذه العوائق... فلا تستسلم.
- إختر أن تبحث جيدا عن أساليب تحقيق أهدافك والتعلم ممن سبقك في المشوار وسعى لتحقيق ذات الهدف، وتأكد أن البشر يتشابهون في أشياء كثيرة وأن ما مررت به أو ستمر به سيشبه كثيرا تجارب غيرك، فإحرص على التعلم من تجارب غيرك قبل أن تكون أنت تجربة... يتعمل منها غيرك.
- إختر أن لا تستعجل النتائج وأن تبذل ما بوسعك بكل ما أوتيت من طاقة فيما يرضي الله، فليس هناك منا نحن البشر من بوسعه أن يقول للشيء كن فيكون، وحتى مجئينا لهذه الدنيا يمر بمراحل ويأخذ وقته، وكل من تراهم ينعمون بنجاحاتهم، بذلوا الجهد وإنتظروا وصبروا ونالوا نتائج صبرهم وإجتهادهم.
- إختر أن لا تقف عند الخطأ ولا تحبط بالفشل في تحقيق أي من أهدافك، بل إختر أن تتخطى الفشل وتتعلم منه وتعيد الكرة بإسلوب مختلف حتى تصل لمبتغاك... 
- ولا تنسى أن خوض التجربة في حد ذاته نجاح، قد لا تحصل معه على ما تريد من نتائج ولكن على الأقل خضت التجربة وخرجت منها بخبرة جديدة... 
- إختر محيطك بعناية، فهو من أهم المعطيات التي تدعمك لتحقيق ما تريد، وإن حكمت بمحيط طارد محبط، لا تتحجج بمن هم حولك لتبرير فشلك، لأن الكثير من العظماء ما أصبحوا كذلك إلا بإجتياز مراحل متراكمة من الخوض في بيئة حاربتهم أشد حرب وكانت أثقل حمل حملوه في طريقهم لتحقيق ما رسموا لأنفسهم من أهداف... فالعظمة في شيء لا تأتي من فراغ...
- إن إستطعت التغيير من محيط، فذاك أمر جيد وإن لم تستطع فلا تتأثر به سلبا ولكن حاول أن تؤثر به إيجابا...
- ولا تنسى إختيار الأصدقاء الخيرين، فالصديق قد يكون اليد التي تمتد لك وإن كان بكلمة، عندما تكون عالقا في وحل القلق أو الحيرة.
- إختر أن تتوقف عن التفكير السلبي وإبذل جهدك للنظر للجوانب الجيدة لكل أمر، متأكدا أن كل شيء له جانب حسن، وحسنه يأتي من قلة ضرره عن أي جانب آخر... 
- إختر تغيير نمط حياتك وروتينك اليومي، بداية من غييرة مكان فراشك وإتجاه نومك المعتاد، غير أثاث غرفتك، تخلص من أوراقك وحاجياتك الزائدة... وإختر أن تكتفي بما لديك ولا تكثر من محاولة الحصول على ما تريد ولكن إكتفي بما تحتاج...
- إختر أن تبقي على مالك بالصدقة كلما تمكنت وإستطعت، وجرب لذة العطاء والكرم لمن يحتاج ممن لا تعرفهم... 
- إختر أن تكون مرنا حازما... لا تكن متعصبا ولا تكن سهلا، لا تؤجل ولا تتسرع... صحح من مفاهيمك دائما، وتذكر أن تغيير القناعات أمر جيد إن كنت تبحث دائما عن الأفضل، وأن التمسك بالقناعات وإن كانت خاطئة فقط لتثبت أنك ثابت على مبدأ واحد يعتبر هدما للذات وتاخيرا للنجاح... 
- إختر التواضع ولا تنظر للآخيرن على أنهم أقل منك أو أعلى منك، وليكن مقياسك في ذلك هو الإحترام للجميع والإبتعاد عن من لا يليق بك البقاء بجانبه... 
- إختر أن يكون قلبك صافيا نقيا من البغض وإستعن على ذلك بالدعاء وحسن الظن بالآخرين ، و تذكر أن حسن الظن لا يعني السذاجة وعدم الحرص...
ولابد أن تتذكر أن التراجع والتوقف عن الخسارة، ليس خسارة بل هو ربح... فوقف الخسارة دائما ربح... فلا تخجل من الإعتراف بالفشل، الخطأ أو الخسارة... بل إعترف وقف وأوقف الخسارة وغير وجهتك لما سيحول خسارتك إلى ربح، وقد يكون الترك والإبتعاد عن شيء ربحا وليس خسارة...
إختر أن لا توقف حياتك على أشخاص، فالدنيا لم توجد لنبقى معا بشكل مؤبد، ولكنها مؤقتة كل شيء فيها مؤقت ولا بقاء فيها إلا لتوحيد الأحد وصدقة وعمل تلقاه يوم ستجتمع مع من أحببت إلى أبد الأبد... فلا توقف حياتك على أحد... وتقبل الخسارة والفراق المؤقت على أن يجمعكم في الآخرة خير مما جمعكم في الدنيا... 

إختر الخير لنفسك... ولا تختر التراجع والفشل... إختر المحبة والصدق والأمانة... ولا تختر الحقد والحسد والبغض للآخرين... فالمحبة تغنيك والحقد يهدمك... كن محبا للخير متأملا له من عند الله، ولتكن نيتك دائما الخير... وإختر الوضوح ولا تختر الغموض في تعاملك مع الآخرين... 
وتأكد... أن الثقة التي فيك لنفسك... ملكك أنت وحدك وأنت فقط من يستطيع أن يمنحها لك... وأن كل من حولك، سيتعامل معك بما تتعامل به أنت مع نفسك... فتعرف على قدر نفسك بنفسك... واعرف قدر نفسك وقف عنده... يرحمك الله.


شكرا
أكمل قراءة الموضوع...