الجمعة، 29 يونيو 2018

كيف أصبح طعم الأشياء مختلف عما كان عليه؟

By 1:30 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 



لابد وأنك حدثت نفسك بهذا الأمر من قبل... فلم تعد الكثير من الأشياء تحمل ذات الطعم الذي كان في السابق... ولا المتعة التي كانت تحملها الأشياء على بساطتها... فعلبة التونة الواحدة كانت تكفي تسعة أشخاص ويستمتع الجميع بها وبطعمها، رغم قلتها وندرة تكرارها... 

وإن لاحظت فإن هذا الأمر بات يتسارع أكثر من ذي قبل، فما كان يحتاج لسنة أصبح يحدث في شهر وربما أقل... فالتسارع في إنتشار المعلومات وكثرة المنتجات وتحديثاتها وظهور جديدها، كتسارع البشر نحو جني المال لهثا وركضا منسيا للحال ومضيعا للوقت مقلّا للبركة، إلا من رحم الله. 

ولكن حقا... لما لم تعد الأشياء بذات الطعم الذي كانت عليه؟
الاسئلة متكررة في ذهنك الآن... تذكر تلك الشطيرة؟ قطعة الحلوى... صحن السلطة "الشرمولة" طعم الطماطم كان مختلفا وكذا الزيت والخبز... مختلف تماما... حتى وإن كان في صحن رخيص وضع على قطعة نايلون أو بعض جرائد كي لا يتساقط فتات الخبز على ما تحته من فرش... أتذكر؟ كيف كان ذاك الطعم والأيدي تتخاطف اللقيامات؟ لما لم تعد تجده الآن كما كان فيما سبق في الأشياء البسيطة حتى وإن حاولت جمع مقاديرها مجددا معا اليوم؟. 

قيل أن الرضيع الذي يعتاد على الحليب المعلب يرفض حليب أمه... ذلك أن حليب العلب أكثر حلاوة في فمه... 
وكذلك من جرب الخبز الأبيض ... لم يعد يستسغ الخبز الأسمر... كما أن الزميتة لم تعد محببة لمن إعتاد البريوش والحليب المخفوق... والتمر لم يعد مصدر السكر المحبب لنا... وإن كنا نعرف فائدة تلك الأطعمة... 

كانت الأشياء أكثر طعما لأننا لم نكن نعرف أو نجرب غيرها... كانت أفضل لأننا لم نكن نتطلع لما هو غير ولما هو ليس بين أيدينا وربما لأننا لم نعرف غيره من الأساس لما هو مختلف الطعم ... ولأنها كانت أفضل ما لدينا وكنا به نقنع... 

شطائر التونة، مشروب البتر الغازي، الطعمية من مقصف المدرسة، أو زجاجة الميرندا التي تشبه الفيتامن سي الفوار في طعمها... أو البيض المقلي أو حتى من إعتاد على خبز وزيت وسكر... كان طعمها مختلفا... كما كانت الحلوى الطحينية التي يبدو أنها لم تعد في قائمة الطعام في البيوت إلا ما ندر... لعدم رغبة الأجيال بها وبطعمها...

حتى السيارات الغير مكيفة تلك التي ليس فيها أي نوع من الكماليات كانت أفضل لأننا نراها ولا نرى غيرها وربما جميعنا يركبها راضيا وإن كانت شمس الظهيرة تلفح الظهر واليد اليسرى تكاد تكون ببشرة سوداء أو حمراء مختلفة عن اليد اليمنى... ولم يكن هناك شكوى من قلة قطع الغيار لأن الحل البديل المعروف بالتلفيق أو "الموديفكا" هو أول ما يخطر على البال لأنك لا تتطلع لغيره وأنت به راض... كنت تسمي قطعة اللحم العالقة بين ضفتي الخبز وعليها بيضة مقلية وقطعة جبن إن وجد برجر وتفرح فرحا شديدا إذا ما تناولتها وتشعر أنك أصبحت ملكا إذا ما شبعت بها... أتذكر كيف كان الإحساس بالأشياء البسيطة؟
... 
شطيرة التن ( نص بالتن أو بالطن ) كانت الأفضل لأننا لم نعرف البرجر والسكالوب ولا الشاورما والفاهيتا ولا الأسماء المخترعة حديثا وإن كانت كلها تحمل ذات المقادير... ولكن طعمها يختلف لأن العقل يقول لصحابه أنت تأكل البربكيو ولست تأكل المشوي... 
ولم نكن نعرف البريوش ولا الشكلاتة التي كان أفضلها شكلاتة تصنعها الأم في البيت أو إن كنت محظوظا شكلاتة ورد لأنها الشكلاتة الوحيدة التي عرفناها فكانت بالنسبة لنا أفضل من شكلاتة سويسرا التي لم نكن نعرفها على كل حال وكنا مقتنعين ومرحبين بهذه الحلاوة التي تذوب في الفم فتنعش النفس والرضا تسقيها...

معرفتنا بكل جديد جعلت من الطعم لما نعرف يتغير في مستقبلات الطعم في أدمغتنا فأثرت على إختياراتنا وقراراتنا ولم يعد الطعم الأول يرضي ولا يرسل ذات الرسائل الممتعة للطعم الذي كان أفضل ما يعرفه، فقد بات يحير في الإختيار بين هذه وتلك...وإن كنا نعلم أن ما لا نستطعمه ولا نريده أكثر صحة من غيره، وهل يعلم الرضيع ذلك؟ لا ولكن عقله يقول أريد الأحلى... وإرتاحت الأم من الرضاعة على كل حال... 

لذا  تغير طعم كل شيء الآن ، فقد فتحت علينا أبواب الدنيا بكل الخيرات وتذوقنا الكثير... أكثر من شطائر التن وربما باتت أعيننا ترى أكثر مما نتذوق فلم يعد ما بين أيدينا يعجبنا ولا يسلينا... وبقي ذاك الطعم وتلك المتعة التي كان مصدرها القناعة حلما يراود الجميع وحسرة في قلوب الكثيرين عندما تحدثهم عن أي شيء قديم كان له طعم القناعة أنه أفضل ما هناك... 
ولعل إنتفاح أبواب الدنيا وتنافسنا عليها نزع من قلوب الكثير منا الرضا والتأخي والمحبة التي كانت تتوفر مع لقيمات قليلة... ورضا في القلب كثير... وهو ما زاد من مرارة طعم كل ما نأكل وأذهب الكثير من لذة حياتنا التي عهدنا ونحن نسأل لما حدث ذلك... ورغم تناولنا لكميات كبيرة من كل شيء إلا أننا نادرا ما نشعر حقا بطعم ما نأكله... إلا من رحم الله منا... 

وهنا يظهر الفرق بين أصحاب الرضا الذين يقنعون بما بين أيديهم وبمن يعلق العقل عندهم بما لم يمتلكوا فتمتد أعينهم لما ليس لهم، فلا هم عليه حصلوا، ولاهم بما بين أيديهم إستمتعوا... 

وبذلك قد تكون البركة فيه قلت والكمية مهما كثرت لم تعد تكفي، والطعم الذي لم يتغير، لم يعد صاحبه يستطعمه كما كان عندما إمتلك القناعة...
وقد لا يتوقف تأثير ذلك على الأطعمة فقط... فحتى المعروض في الشوارع وكل وسائل المعلومات من فتيات بات يفسد على الزوج زوجه وعلى الأسرة بيتها وسيارتهم واحذيتهم حتى لم تعد مرضية... ولعلك لاحظت الإختلاف في المناسبات وفي الزيارات الأسرية وإجتماع الأسرة بين الماضي عندما كنت صغيرا لا تدري عن خصام هذه الزوجة مع تلك ولا الأخت وأمها ولا الأب وأخيه... وكان كل همك في أن تلعب وأنت تظن أنك أسعد إنسان لأنكم زرتم بيت جدك وإجتمعت بأبناء عمك وخالك... وربما الجميع لديهم ذات الأحذية... 

إن أردت إسترجاع ذاك الطعم الذي تتذكره الآن وتكاد تستطعمه برأس لسانك...
إحرص على الرزق الحلال... والقناعة والرضا الذي عليك أن تفسح له المجال في صدرك حتى يرتاح وتهنأ أنت بإتساعه... 
إحرص على الحلال لتقيم عندك البركة ولا تغادرك... أغمض عينيك عن ما تمتع به غيرك وإصنع لنفسك حياة تستطيعها أنت دون لهث وراء ما لدى الآخرين... ولا تبحث عن ما يتمتع به الآخرين... فمتعتك تختلف عن غيرك وكلنا نختلف عن بعضنا بدرجات...

جرب تغمض عينيك عن ما لدى غيرك وإبحث عن الحلال... وستعرف كيف يعود طعم الأشياء أفضل كما كان عليه... 


شكراً... 

أكمل قراءة الموضوع...

الأحد، 17 يونيو 2018

كيف تنجح في حياتك...

By 1:58 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 



النجاح وما يأتي معه من شعور مفعم بالسعادة والثقة في النفس والتأكد من القدرة على الإنجاز.
 
ولكن ما هو تعريف النجاح؟

هل هو إنجاح مشروع كنت تسعى لإقامته؟... وإذا ما فشل المشروع تكون أنت فاشلا؟
أتراه أداء وظيفة على أكمل وجه دون إغضاب الإدارة أو الحصول على إنذارات بسبب التقصير؟

أم هو تربية أولادك ليخرجوا للمجتمع بصحة نفسية وعقل سليم؟

أم يكون النجاح في الحصول على أعلى درجة في إختبارات الشهادة ومن ثم الجامعة فالدكتوراة؟

لا شك بأننا يجب أن نتفق أن كل إنجاز سعى له صاحبه وحققه هو نجاح على الأقل بالنسبة له ولمقاييسه، ومن المفترض أن نبارك هذا النجاح ليس لأننا نعتبره نجاح أو أنه أمر تافه بالنسبة لنا ولكن لأن صاحبه بذل جهدا في تحقيقه وهو وضع هدفه نصب عينيه وسعى له وحققه، إن كان ما حققه لا يخرج عن إطار المباح... 
 
طفلك الصغير الذي ينجح في أن يخطو خطوته الأولى...
تلقائيا تصفق وتفرح وتغمرك السعادة وتحتضنه وتعد ذلك نجاحا كبيرا بالنسبة لك وله في مسير تطوره ونموه وإن كان هذا الأمر بديهيا طبيعيا...

ولكن تحقيقه لهذا الإنجاز في لحظته كان نجاحا كاسحا يستحق الإحتفال الصغير الذي أقيم ...

من يخاف من قطع الطريق من رصيف إلى آخر. عندما يصبح على نفسه معتمدا في ذلك يكون قد نجح في التغلب على مخاوفه وزادت ثقته في نفسه لأنه حقق هدفا وتخطى حاجزا قد لا يكون شيئا يذكر لملايين من الناس غيره... ولكن هل نقلل من شأنه لأننا نعتبره أمرا تافها عاديا لا يذكر؟ 
لا نقلل من شأنه ولا نبالغ فيه أيضا ... ولكنه يعد بالنسبة له نجاح في حياته... وقد يؤدي به إلى نجاحات أخرى... 

ماهو النجاح في حياتنا وكيف نحققه...

ما تحتاجه لتحقيق النجاح في حياتك هو: 
الهدف... ماهدف حياتك الذي إخترت؟ وما الذي ترغب في أن تقضي فيه وقتك تشغل به نفسك ولا تبرحه حتى تنجزه وترى نتائجه؟

الوسيلة... كيف يمكنك الوصول لتحقيق هدفك؟ ما الذي سيعينك عليه وما الذي يقربك من تحقيقه؟ ومن أهم الوسائل هي العلم فكلما ازددت علما في المجال لما أردت تحقيقه كلما تمكنت من نفسك وَمِمَّا أردت تحقيقه.

الوقت... العنصر الأهم الذي تقوم عليه الحياة فوجوده يعني أنك حي ونقصانه يعني أن النهاية قربت وبالتالي إستغلاله الإستغلال الأمثل مهم جدا ولا بد أن تعي أهميته قبل أن تفقده، وتعرف كيف تنظمه لتصنع منه سلما ترقى به لهدفك... وهو ما يأتي بنا للنقطة التالية وهي... 

الصبر ... على مصاعب وعقبات ستواجهك بكل تأكيد لأنك تخوض في المستقبل الذي يتجلى أمامك كلما خطوت خطوة إلى الأمام، وكلما إمتلكت من الصبر على نفسك قبل ما يحيط بك من عوامل كلما فتحت لك أبواب جديدة في ذهنك سمحت لك بمقاومة المغريات من حولك وألزمت نفسك الإستمرار في العمل لتحقيق ما تريد 

علو الهمة والإصرار والمثابرة وأن تجد في نفسك الثقة والقدرة للسير في هذا الطريق لتحقيق هدفك حتى وإن كنت أنت الوحيد الذي يراه ومن حولك قوم يسفهون أفكارك وأحلامك... إن كنت أنت تراه وربما تكاد تلمسه وثقتك فيك عالية للوصول إليه...ولا يتعارض مع إيمانك بالله، فما عليك إلا أن تجمع المقادير وتعطيها وقتها حتى تحقق ما تريد 

ولا ننسى أنه ليس للناج طريق واحد... 

وهل إذا ما لم تصل إلى النهاية بتحقيق ما رميت إليه وبذلت له الجهد وأعطيته من نفسك تكون فشلت؟

الفشل لا يعني عدم إنجاز الشي والخروج بالنتيجة التي أردت...

ولكن الفشل الحقيقي هو هزيمتك أمام العقبات وإستسلامك وتوقفك عن المحاولة والبحث عن طرق مغايرة لتحقيق إنجاز تخطيك هذه العقبات...
ذاك هو الفشل الحقيقي الذي يضيع تجربتك وإستفادتك منها إن فعلت...

أترى... هل نقول فشل سيدنا نوح في تأديه واجبه الذي كلف به لأنه لبث في قومه قرابة الألف عام ولم يؤمن له إلا قليل؟

لا بل أداها على أحسن ما يمكن لبشر أن يؤديها في تلك الظروف لأنه لم يضعف ولم يستسلم ولم يتوقف. 
بل قاوم وبذل الجهد والوسيلة وكل ما توفر له لنشر الدعوة بالرغم من معارضة الغالبية من الناس حينها.

أنبياء كثر لم يُؤْمِن لهم إلا القليل... ولكنهم نجحوا في إيصال رسالتهم وإن لم يُؤْمِن لهم أحد... ولكنهم أدوا ما عليهم بنجاح وهو التبليغ...

فالفشل يكون في عدم التبليغ وهو الفشل الحقيقي الذي يجب أن تحاربه في نفسك بأن تبذل جهدك وتستمر في بذلك حتى تصل إلى النهاية...
ومهما كانت النتيجة حينها تكون قد نجحت في حياتك أنك عزمت وبذلت وحققت وإن لم تحصل على النتيجة التي ترجوا.

وكل أمر في حياتك متوقف عليك أنت وكيف تتعامل معه وما الإختيارات التي تختار دون غيرها. 

ويبقى لك أمر واحد يجب أن لا تنساه... وهو أبعد من النجاح وأكثر أهمية وهو الفلاح... أن تحقق الفلاح في دنياك وآخرتك 

بأن تكون عبدا لله مؤمنا مطيعا وأن يكون كل عمل تسعى لتحقيقه في رضا الله هدفا وفِي رضا الله وسيلة وفِي رضا الله تحقيقا...

وتأكد أنك إن سعيت لنجاحات الدنيا وأنت حريص على الفلاح برضا الله فإنك وإن مت قبل تحقيق أي شيء في حياتك ماديا دنيويا... فإنك ستكون أفلحت وحصلت على رضا الله عنك...

ومن رضي الله عنه... ماذا يحتاج أكثر؟

شكرا...
أكمل قراءة الموضوع...

السبت، 2 يونيو 2018

كيف تعلم الأم أولادها السرقة

By 2:42 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


من المفزع والغريب أن نفكر في أن يأتيك الضرر من مأمنك... وهل هناك أكثر أمانا لنا من أمهاتنا... والأباء
وهل وجد الرضيع أكثر حنانا من حضن أمه راحة وطمأنينة وشبع؟
 
لا تتخيل أبدا أن تُعلم الأم أولادها شيئا من السيئات الخبيثة لما فيها من تعدي على الآخرين وحقوقهم. 
ولكن كيف تعلم الأم أولادها السرقة؟

جُل ما يفعله الأهل مع أولادهم له دافع أساسي مشترك، اللهم يكون في قلوبهم مرض وليسوا أهلا للزواج والإنجاب من الأساس، وهو النظر لمصلحتهم ومستقبلهم ولكن هناك عامل قد يتدخل في هذه الأحكام وهو قلة الصبر ويلحقه الإحباط وإستعجال النتائج وتوقع طاعة ومطاوعة الأولاد لكل ما يقال دون تأخير ولا تردد فطاعة الوالدين واجبة.
ينسى الأهل أحيانا أن أولادهم كيانات مستقلة تتشكل بنحت تصرفاتهم وردود أفعال ذويهم، وينسون أن كل كيان مستقل يملك من الغرائز ما يملكه غيره وبيد الأم خاصة والأهل بالعموم تفعيل وتثبيط أي من تلك الغرائز وما يقابلها من قيم وأخلاقيات تكبح تلك الغرائز في حالات إنحرافها وحيادها عن المسلك السليم المتعارف به فطريا... عندما تتعرض لمغريات الحياة المحاصرة لنا من كل جانب.

إليك هذا المثال 

جهزت الأم وليمة غذاء لضيوفها أصحاب الشأن عندها، فأكرمت الصحون وزينت الجلسة وأعدت ما تلذ به العين وتشتهي الأنفس... 
رأي الطفل صاحب السبع أعوام، كل هذه المغريات بالترجمة الخاصة به والتي يسيل لها لعابه ولا مانع بينه وبينها إلا رفع نفسه والوقوف على رأس أصابعه لتمتد يده ليحصل على ما يشتهي ولم يعتد رؤيته في سفرة غذاءه المعتادة...
وما أن تلامس أطراف أصابعه تلك القطعة الشهية حتى ترعد السماء بصوت صارخ يقض أطرافه ويهز كيانه ويصدم طفولته ومعها لسعة حارة على اليد التي تجرأت على أن تمتد لما أعد للضيوف... وما ذنب هذا الصغير أنه إشتهى شيئا أعطي العناية التي كان هو أولى بها؟

تنتهي الزيارة ويتبقى من الطعام أغلبه...فبطون الأشراف صغيرة وهيأتهم تقف حاجزا بينهم وبين تناولهم الطعام كما يفعلون في بيوتهم، ولكنه بات باردا مرقعا كل قطعة فيه من صحن وبقايا حبات الأرز البارد تلوثه... لم يعد شهيا كما كان... وليس فيه تلك اللمعة والحرارة التي انطفأت وبهت إغراءها... 
ألا يعجبك الطعام يا حبيبي؟ آه أنا متعبة لننم الآن غدا نسخن الطعام ونتناوله على الغذاء، أليس أفضل من أن نلقيه في القمامة؟

في يوم آخر... 

تأخذ الأم طفلها معها للتسوق... متناسية تأثير الألوان عليه تمر بجانب أرفف الحلويات والسكاكر والشكلاتة... فيدخل الطفل بعقله عالم العجائب وتسحره المغريات، ولكنه يستبشر عندما يرى أن يد الحنان وقعت على علبة شكلاتة لم ينتبه لها وهي مليئة بأنواع مختلفة من التشكيلات فيتمزق وجهه إبتساما ويطرب قلبه ويهتز جسده ويشعر بالسعادة أنه الليلة سيسبح في بحر الحلويات ويتكئ على شاطئ الشبع. حتى أنه تخيل منظره وخده الوردي ملطخ بالشكلاتة...
فأمسك بالعلبة متطوعا لحملها... ونظرات الحب تجاه أمه تملاأ عينه البريئة...
يالها من لحظة تسجل في الذاكرة تستذكرها بعد سنوات ... عندما إشترت لي أمي علبة الشكلاتة... تلك اللذيذة.
يعود إلى البيت وقد نام في الطريق رغم مقاومته للنعاس والعلبة بين يديه...
ليفيق لاحقا مسرعا بحثا عن العلبة بعد أن رآها في الحلم وشبع منها... ولكنه لم يجدها... دمعت عيناه ظنا منه أنهم إنتهوا منها ولم يذكروه بشيء منها... ولكنه لم يجد أثرا لأغلفتها في القمامة... أين هي...وأين أمي؟  ليتوقف عنده كل شيء بدخول أمه عائدة من زيارة صديقة لها... فركض مرحبا حزينا متسائلا... ماما أين علبة الشكلاتة التي إشتريتها لي؟
ليس الآن يا حبيبي ماما متعبة الآن... لتجلس ممسكة بهاتفها تخبر صديقتها عن جمال وروعة العزومة التي أقيمت اليوم وأنها إستحت أن علبة الشكلاتة التي اخذتها هدية لم تكن في المقام وكانت اقل هدية... فيخفض رأسه وينصرف والدمع عالق يأبى الإنزلاق على خديه...

موقف قد تعدها الأم بسيطة... ولكنها في عقل الطفل مؤثرة عميقة... 
فإن كبر الطفل على ذلك دون وجود إهتمام من الأم بهذه التفاصيل وكذلك دون إفراط في توفير ما يريد ودون تدريب وتهذيب للرغبات والحوار المستمر والحديث العاقل بين الأهل والأولاد حتى يتربى فيهم المنطق ويجدوا سببا لكل ما يفعل الأهل ويقتنعوا أن كل ما يفعله الأهل حقا هو في مصلحتهم... فإن غريزة الحصول على ما يظن أنه أخذ منه وهو حقه ستغلب عليه ليجد وسائل متعددة للحصول على ما يريد متى ما أراد دون علم الأم متحاشيا رعودها والأعاصير... وهي تتساءل عن من أخذ قطع الشكلاتة وأعاد العلبة في مكانها كأنها لم تمس؟ وأين إختفى الدينار الذي كانت وضعته على حافة النافذة لشراء الخبز وتشك في أنها أصبحت تنسى كثيرا وتزداد إحراجاتها مع الضيوف عندما تكتشف أن صحن الحلويات الذي خبّأته أكل الفأر نصفه ويزيد ...

مثال فقط عن كيف للأم أن تعلم أولادها السرقة... وقد تتنوع الأساليب وكلها يتمركز في عدم الإتزان في الإهتمام بنفسها وبيتها وأولادها الذين غالبا ما ينسى الأهل أنهم إنسان وإن كان صغيرا وإن كان لا يجيد محاججتك وإن كنت أباه أو أمه فلا يعني ذلك أنك ملكته فمهمتك ليست التحكم فيه إنما إعداده حرثا للآخرة حينما ستهرب منه أو تجد أعمالا متراكمة قام بها هو وذريته فرفع قدرك...

كن متزن في التعامل مع الأولاد لا تعودهم على توفير كل شيء ولا تقطع عنهم كل شيء وتعطيهم فضلات ضيوفك... وازن بين حزمك ودلالك وإياك والتحجج بهم لتوفير ما لا تستطع توفيره...
يفهم الأطفال كل شيء إذا ما أعطيتهم الفرصة ليفهموا... 
فعلمهم أن الشراء يكون عند الحاجة وليس عند الرغبة... إن أردت أن تدربهم للحاضر ولمستقبل لن تكون فيه معهم.
علمهم أن يوفروا ثمن ما يرغبون في شراءه وساعدهم على التوفير حتى وإن كنت تملك ثمنه حالا... ليتدربوا على الصبر لا على الإلحاح للحصول على رغباتهم والشهوات.
عودهم أن لكل شيء وقته المناسب ليتعلموا الصبر ولا تنسى أن تعلمهم أن قيمتهم ليست فيما يملكون من ماديات، إنما فيما في قلوبهم من تقوى الله وحبه... إزرع فيهم القناعة... وربما عليك أن تزرعها في نفسك كي تستطيع مدهم بها.

سؤال: لما تحدثت عن الأم ولم تقل الأب ؟
الأمر مشترك بين الأبوين ولكن كما قالت التي سمع الله قولها وهي تجادل النبي... إن دفعتهم إليه ضاعوا وإن أخذتهم إلي جاعوا... وذلك لأن الأم أقرب لإبنها في سنواته الأولى من والده، وهي من يهتم بتنشئته... وهي كذلك على الأقل حتى يبلغ السابعة من عمره
وبما أنك عرفت ذلك... فحاول أن توازن بين صلتك بأولادك وبين رغبتك في تدريبهم وتربيتهم والبحث عن الستر مع الضيوف، ولا تقل لا ذنب لهم من دون الآخرين لا أريد أن أحرمهم... والحرمان ليس في الماديات... إنما الحرمان فيما تمنحهم من حنان وعاطفة وتجهيز للغد...


شكراً...


أكمل قراءة الموضوع...