الثلاثاء، 19 يناير 2016

كيف تتوقف عن الهروب من بيتك ...

By 1:02 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 





لابد و أنك سمعت أحدا يقول … “مللت قعدة البيت “ لا خروج ولا زيارات  ولا متعة ولا حتى تغيير هواء … رغم أن فتح نوافذ البيت ستغير الهواء الذي فيه بكل تأكيد … ولكن ما السبب الذي يجعل الكثيرين يشتكون من البقاء في البيت و يسعون دائما للخروج منه بحاجة و دون حاجة؟ 
حتى أنك تجد البعض لا يكاد يبقى في بيته إلا للنوم فقط ، و ليس في هذا تفصيل بين ذكور و إناث … فهناك الكثير ممن يخرجون صباحا للعمل و من ثم إلى المقهى و من ثم إلى زيارة أصدقاء و هكذا حتى يأتي آخر النهار ليعود إلى البيت و يلقي بجسده الخائر على الفرشا … و ما أن يأتي يوم العطلة … حتى يقول … تعبت من البقاء في البيت و اريد أن أخرج ، و قد يكون شخص لا يخرج أساسا و لكنه يشعر بملل و ضجر كبيرين جدا من جراء بقاءه في البيت …

ولكن لماذا؟ 
لماذا يشعر أحدنا بهذا الشعور؟ عازبا كان أو متزوج ؟ 
كبيرا كان أو صغير … ذكرا أو أنثى … 
لماذا يا ترى ؟ ما الذي يجعلك ترغب في ترك مكان و الذهاب لغيره؟ 
ما الذي يجعلك تشعر بالضجر في بيتك ؟
ما الذي يدعو الكثيرين للخروج من منازلهم؟

العمل … الدراسة … الواجبات الأساسية من شراء حاجيات البيت و إحتياجاته … زيارة الطبيب … 
حاجات أساسية كثيرة … تدفعنا للخروج من منازلنا … و هذا ما لا بأس به … ولكن لماذا هناك إلحاح من الكثيرين للخروج بدون مبررات و بدون حاجة و بدون دافع حقيقي و راء الخروج … أكثر من الملل … أو (الكساد ) …

و إن سألنا من سبب هذا الكساد … لن يكون غير نفسك … أنت … من سبب لنفسك هذا الكساد و هذا الركود و هذا الضجر في مكان كان الأجدر أن يكون مصدر راحتك و مصدر خلوتك و إهتمامك بنفسك و مساحة خاصة لك وحدك بعيدا عن أعين الناس و بعيدا عن كثير مما قد يثيرك و ربما يزعجك أكثر … 
فكيف أوقف الشعور بالملل في بيتي ؟ 

ما نفعله حقا في بيوتنا … أننا …نخرب الحياة فيها … و نصيبها بالملل و الكسل ، و الجمود و الركود و التصدع … فنرغب في الهرب منها … إلى ما نعتقد أنه أفضل حالا و أكثر راحة منها … 
نعم … عندما تجد أحدهم كثير الفرار من البيت … زوجا كان أو زوجة … إبنا أو بنت … فتأكد أن العلاقة بينه و بين أهله و بينه وبين نفسه … فيها خلل كبير جدا أو نقص في التواصل و قلة إهتمام بالنفس و قلة إهتمام بالفكر … ولا نتحدث هنا عن الخروج الطبيعي من البيت ، الذي تصحبه حاجة و إحتياج … و ضرورة … إنما عن كثرة الخروج بلا حاجة … كثرة الجلوس على المقاهي … و كثرة التسكع في الشواع … و إن كان على ضهر السيارات …
فكيف تهيء لنفسك المجال في بيتك حتى تبقى فيه و يسعك أكثر من أن يسعك الشارع … 
تأكد أن تحاول التفاهم مع نفسك و التصالح معها ، ليكون بينك وبين أهلك و أسرتك تفاهما وضوحا أكثر … بحيث يكون الحوار بينكم مستمر … لا تنتظر من يبدأ الحورا من اهلك ولكن تستطيع أنت ان تسبب في وجود حوار وإن كان فقط على سفرة الغذاء … 
إهتمامك بنفسك لا يعني بالضرورة أن يقتصر فقط على تقليم اظافرك و الإهتمام بشعرك و مظهرك … أيا كانت التفاصيل ، ولكن إهتمامك بنفسك في عقلك و فكرك و وجود شيء يشغل تفكيرك و يهمك ليكون هواية تهواها و تحبها و تجذبك لممارستها … و أغلب الهويات تبدأ في البيوت ولا تبدأ في الصالات أو المؤسسات الأخرى … و أذكرك بأن كل هواية يتبناها صاحبها و يهتم بها و ينميها … سيأتيها يوم و تظهر للعلن و تجد من يهتم لها و يدعمها ، ولكن قبل ذلك يجب أن تكون البداية من صاحبها و المبادرة من صاحبها مع نفسه.
فاسأل نفسك … هل أنت صاحب هواية؟
هل أنت صاحب إهتمامات خاصة بعيدة عن الدراسة و العمل… أم أنك من المتحججين بعدم وجود مؤسسات و أماكن للنشاطات و الدعم من المحيط و الذين يركنوا إلى الفشل بإختيارهم قبل حتى البدء في فعل أي شيء … 

أن تعمر ما في بيتك و تصلحه … أن تجعل إهتماماتك في بيتك لتخلق منه مكانا ترتاح فيه … ليكون المهرب من كل شيء خارجه … ليكون هو المكان حقا الذي يسعك ولا تشعر فيه بالضيق … أن تسعى حقا … لتنمي ما لديك من قدرات و إهتمامات لا تحتاج الخروج من المنزل ولا تحتاج إلى أي إمكانيات خارجية … أو حتى فقط بما تستطيع … حتى تتمكن حقا … من الشعور بالراحة و الإطمئنان و عدم الرغبة في الخروج منه بلا حاجة ولا ضرورة … 

ان تشغل نفسك بهواياتك و اهتماماتك و تبني لنفسك قاعدة أساسها الإنسجام و الإنتاج و الإبداع الذاتي الذي لست بحاجة لأن تشاركه مع الغير إن أردت ولكن بحاجة لأن تغرس فيه نفسك حتى تغذيها بالمتعة و النفع و الإنجاز و الإنتاج و إستغلال الوقت ، الذي سيجعلك تقلل كثيرا من الخروج من البيت لأجل مضيعة الوقت من جديد بحجة تغيير الجو ، و لأجل مضيعة الوقت الذي تهرب فيه من البقاء مع أهلك أو بين إخوتك أو مع زوجك … ومهما هربت … وخرجت … و تسوقت … و سهرت … لن يصلح هذا الخروج و هذا الهروب شيئا … مما أفسدت أنت و أهلك و أيا كان من يشاركك ذات المنزل … بأيديكم … بقلة التعايش و قلة التوافق و الإنسجام … ولن يصلحه أبدا أن يكون لديك أصدقاء مرحين …

ولكن يصلح أن تصلح أنت من نفسك و تجعل لنفسك إهتمامات بعيدة عن الدراسة ، بعيدة عن العمل ، بعيدة عن الأصدقاء …

و تأكيد أخير … أن هذه الإهتمامات … إن لم تهتم بها الآن … فلن تجد ما تفعل عندما يتقم بك العمر … و تتوقف عن العمل و الدراسة و ربما لا يبقى أحد من أصدقائك و أهلك لمسامرتك أو تسليتك … ولكنك ستجد ما كنت عليه معتادا من هوايات و إهتمامات و ممارسات … أحببتها و إنسجمت فيها طوال حياتك … 

راجع نفسك الآن … و كيف تقضي وقتك و أغلبه في فراغ لا فائدة منه … و في حوارات و نقاشات قد تكون آثامها أكبر من فائدتها التي قد تكون معدومة أساسا … وإنظر بالله عليك … كيف أن وقتا غير قصير … يضيع منك في البيت و أنت تنتقل من مسند كرسي إلى مسند آخر … و تشاهد التلفاز لتكون متلقي يسهل برمجته … بدلا من قضاء وقتك فيما يمكن أن تضيفه أنت لهذه الحياة … و إن كان بشطر كلمة … 

وما أن تحقق هذا الإنسجام في هواية أو إهتمام … فإنك ستحب الجلوس إليه … و تحب ممارسته أكثر من الخروج و الإبتعاد عنه … و إن خرجت … فإنك ستحاول العودة بسرعة للإستمرار فيه و قضاء وقت أطول معه … تماما كمن يكره مكانا … حتى يقع في حب أحدهم ممن يترددون عليه … فيكون ذاك المكان … أحب مكان إلى قلبه … فإبحث عن هوايتك … و أحب ما تفعله … حتى تجعل من بيتك لنفسك جنة … تفكر كثيرا قبل الخروج منها … 


شكراً…