الجمعة، 15 يناير 2016

كيف ... تكف عن الإنصدام في الآخرين ...

By 12:05 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 




مررت بموقف مشابه؟

أن إعتقدت شيئا في شخص و ظهر لك عكس ما توقعت؟ 
أن أصابتك الصدمة من تصرف لم تتوقعه ، بدر عن شخص ما كنت تتوقع أنه سيصدر عنه ؟ 
أعيطت ثقتك لمن إعتقدت أنه أهل لها ، و مع الوقت إكتشفت أنه لم يكن حقا أهل لها ؟


عادة نوقع الملامة على الآخرين ، ولا نلوم أنفسنا في مواقف كهذه وما شابهها … فتقول أنك كنت صادق في مشاعرك او إعتقادك أو ظنك أو على نياتك … و لكن لم يكن الآخر أهل لها فتلومه و تنعي الحظ و تقول ربما أن الدنيا بأكملها لم يعد فيها مجال للثقة في الآخرين أو حسن الظن وأنك صدمت صدمة حياتك و كسرت كسر حياتك …
فهل حقا أن الآخرين دائما هم سبب صدمتك هذه؟ 
أم أن هناك سبب آخر لذلك ؟

ليس دائما الناس مخادعين ، و ليس دائما الناس ينوون الشر و مع ذلك أيضا ليس العكس ، و لكن الحاصل أن أغلب الأحيان نحن نغش أنفسنا أكثر من غش الناس لنا ، و مع حقيقة أن أغلبنا لا يحب أن يعترف بخطأه و عجزه … فإن أغلبنا يرفض تصديق ذلك عن نفسه و يفضل أن يضع اللوم على الغير حتى يبرئ نفسه من العجز أو الغش للنفس …
كيف يحدث هذا ؟

في مثال عابر بين الكلمات  … 

تعرفت على شخص ما … حكمت على هيأته أنه إنسان محترم و خلوق و لطيف و شكله ظريف ، فما هي توقعاتك تجاه هذا الإنسان ؟ 
ستخرج من ذهنك و عقلك كل الصفات التي تتماشى مع هكذا واجهة ، فتعتقد “مثلا” أن لمعان ساعته و حذاءه “ يعنيان أنه إنسان مرتاح ماديا و منعم و يعيش في مستوى معين من الحياة الراقية “ حسب تفكيرك و نظرتك أنت وربما هذا السائد عند الكثيرين ” و بالتالي في عقلك تلقائيا ستصرف كل الأفكار التي قد تجعلك تفكر في أن هذا الشخص قد يأتي بتصرفات سوقية أو تصرفات بعيدة عن من لديه مال و مركز أو أنك ربطت المال بالتعليم و الثقافة و الوجاهة في المظهر بالعقل و الرصانة … 
فستستغرب عندما يتصرف هو بطبيعته التي قد لا ترتبط بشكله الذي منه انت مبدئيا عنه حكمت …

يجب أن تعي جيدا أن الإنصدام في الآخرين سببه الأول ليس تبدل حالهم إنما بسبب سوء توقعاتنا نحن قبل طبيعتهم هم … 

وفي مثال آخر ... 

فمثلا عندما تتعرف على شخص بصدفة ما و ترى فيه الأشياء التي تجذبك للوهلة الأولى أو تبهرك  ، فما يحدث هو أن هناك جوانب كثيرة منه تكملها أنت بعقلك و توقعاتك فأنت لا تعرفه ولكن كل تصرف يقوم به وإن لم تكن تعلم سببه ، عقلك يبدأ في وضع التوقعات ويكمل الصورة بما لديه من مخزون أفكار و أماني و رجاء أن من يبحث عنه أو أن هذا هو الصديق المرجو ، و يحاول أن يوهم نفسه أن هذا فيه ما كل تحب و الحقيقة أن هذا كله أمل أن يكون هذا الشخص كما تتوقع أنت و كما تريد أنت و إن لم يكن في الحقيقة كذلك … و لم ينوي حتى أن يوهمك هو بشيء أساسا أو أن يمر في ذهنه أن يؤثر عليك و على أحكامك بتصرفاته التي قد تكون تلقائية جداً …

بالتالي فإنك تخدع نفسك و تصدق كل شيء يقوله بالصورة التي تكملها أنت بذهنك و حتى وإن كان كذبا و انت تعرف وتشعر انه كذب ولكن الأمل فيك يجعله خارج نطاق التنبيه لكي تحصل على ما تتمنى وإن لم يكن موجود
وعندما تصحو من هذا تقول أن الآخر مخادع … و أنه تلاعب بك و تلاعب بعقلك … 
والحقيقة أنك أنت من خدع نفسه أو على الأقل … ساهم في خداع نفسه … 

ولا يعني هذا أنه ليس هناك من يخدع و يمثل و يجيد التمثيل ولكن أنت مهما حدث مساهم في كل ذلك ، و إن كنت أكثر وضوحا مع نفسك و ما تريد وما لا تريد و تعرف جيدا إلى أين أنت ذاهب … فستقل نسبة إنخداعك بالأخرين و تصديقك لكل من يحاورك و يتحدث معك و توقف تفاعلات عقلك التي تبني ما لم يكن واضحا منهم بنفسك … 

كيف تتجنب الوقوع في ذلك؟
الوعي … أن تسعى لإن تكون إنسانا واعيا فطنا مطلعا …
الإهتمام بتأهيل النفس و و إستقاء الثقافة من كل مصادر ممكنة ، لا تقيد نفسك بشيء واحد أو لنقل بإسلوب واحد فالثقافة أصبح لها مصادر عدة منها ماهو سمعي و بصري و مكتوب و صحبة صالحة أيضا لها إطلاع و ثقافة تستطيع تبادلها معهم 
البحث في السيرة ، سيرة النبي و الصحابة و الأوائل من أهل العلم و الفقه و الوعي الفكري و التجارب العقلية المتسعة .

تأكد دائما أن كل مكان و كل بلد و كل أسرة و كل لقب و قبيلة فيهم الخير و فيهم الشر وفيهم الحسن و السيئ ، و تأكد دائما أن كل إنسان له تقلباته و له أسبابه وله ظروفه وله طبيعته ، و كذلك أنت فالتغيرات في البشر طبيعية وليست شيء محرم و كارثي … فدائما كن متوقعا لكل شيء ولن تصدم فيه .. 

الإهتمام بعقلك و ثقافتك و وعيك و فهم الدنيا العابرة قدر استطاعتك أكثر من إهتمامك بشكلك و بطنك و شهواتك
و إتخاذ مساحة خاصة بك تجعلها مأمن من كل تدخل بحيث لا تنكب بالكامل على أحد و لا تتراجع وتنعزل بالكلية
و تتخذ بين ذلك وسطا ترتاح فيه و تأمن على نفسك و للآخرين ، و توجد الوضوح دائما في كل علاقاتك أيا كانت لترتاح و تريح الآخرين و تبتعد عن قول … أنا صدمت كثيرا في الآخرين … 
أخيرا… أنت ملك نفسك … فأنظر فميا تستعمل نفسك … 



شكراً…