السبت، 2 يونيو 2018

كيف تعلم الأم أولادها السرقة

By 2:42 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


من المفزع والغريب أن نفكر في أن يأتيك الضرر من مأمنك... وهل هناك أكثر أمانا لنا من أمهاتنا... والأباء
وهل وجد الرضيع أكثر حنانا من حضن أمه راحة وطمأنينة وشبع؟
 
لا تتخيل أبدا أن تُعلم الأم أولادها شيئا من السيئات الخبيثة لما فيها من تعدي على الآخرين وحقوقهم. 
ولكن كيف تعلم الأم أولادها السرقة؟

جُل ما يفعله الأهل مع أولادهم له دافع أساسي مشترك، اللهم يكون في قلوبهم مرض وليسوا أهلا للزواج والإنجاب من الأساس، وهو النظر لمصلحتهم ومستقبلهم ولكن هناك عامل قد يتدخل في هذه الأحكام وهو قلة الصبر ويلحقه الإحباط وإستعجال النتائج وتوقع طاعة ومطاوعة الأولاد لكل ما يقال دون تأخير ولا تردد فطاعة الوالدين واجبة.
ينسى الأهل أحيانا أن أولادهم كيانات مستقلة تتشكل بنحت تصرفاتهم وردود أفعال ذويهم، وينسون أن كل كيان مستقل يملك من الغرائز ما يملكه غيره وبيد الأم خاصة والأهل بالعموم تفعيل وتثبيط أي من تلك الغرائز وما يقابلها من قيم وأخلاقيات تكبح تلك الغرائز في حالات إنحرافها وحيادها عن المسلك السليم المتعارف به فطريا... عندما تتعرض لمغريات الحياة المحاصرة لنا من كل جانب.

إليك هذا المثال 

جهزت الأم وليمة غذاء لضيوفها أصحاب الشأن عندها، فأكرمت الصحون وزينت الجلسة وأعدت ما تلذ به العين وتشتهي الأنفس... 
رأي الطفل صاحب السبع أعوام، كل هذه المغريات بالترجمة الخاصة به والتي يسيل لها لعابه ولا مانع بينه وبينها إلا رفع نفسه والوقوف على رأس أصابعه لتمتد يده ليحصل على ما يشتهي ولم يعتد رؤيته في سفرة غذاءه المعتادة...
وما أن تلامس أطراف أصابعه تلك القطعة الشهية حتى ترعد السماء بصوت صارخ يقض أطرافه ويهز كيانه ويصدم طفولته ومعها لسعة حارة على اليد التي تجرأت على أن تمتد لما أعد للضيوف... وما ذنب هذا الصغير أنه إشتهى شيئا أعطي العناية التي كان هو أولى بها؟

تنتهي الزيارة ويتبقى من الطعام أغلبه...فبطون الأشراف صغيرة وهيأتهم تقف حاجزا بينهم وبين تناولهم الطعام كما يفعلون في بيوتهم، ولكنه بات باردا مرقعا كل قطعة فيه من صحن وبقايا حبات الأرز البارد تلوثه... لم يعد شهيا كما كان... وليس فيه تلك اللمعة والحرارة التي انطفأت وبهت إغراءها... 
ألا يعجبك الطعام يا حبيبي؟ آه أنا متعبة لننم الآن غدا نسخن الطعام ونتناوله على الغذاء، أليس أفضل من أن نلقيه في القمامة؟

في يوم آخر... 

تأخذ الأم طفلها معها للتسوق... متناسية تأثير الألوان عليه تمر بجانب أرفف الحلويات والسكاكر والشكلاتة... فيدخل الطفل بعقله عالم العجائب وتسحره المغريات، ولكنه يستبشر عندما يرى أن يد الحنان وقعت على علبة شكلاتة لم ينتبه لها وهي مليئة بأنواع مختلفة من التشكيلات فيتمزق وجهه إبتساما ويطرب قلبه ويهتز جسده ويشعر بالسعادة أنه الليلة سيسبح في بحر الحلويات ويتكئ على شاطئ الشبع. حتى أنه تخيل منظره وخده الوردي ملطخ بالشكلاتة...
فأمسك بالعلبة متطوعا لحملها... ونظرات الحب تجاه أمه تملاأ عينه البريئة...
يالها من لحظة تسجل في الذاكرة تستذكرها بعد سنوات ... عندما إشترت لي أمي علبة الشكلاتة... تلك اللذيذة.
يعود إلى البيت وقد نام في الطريق رغم مقاومته للنعاس والعلبة بين يديه...
ليفيق لاحقا مسرعا بحثا عن العلبة بعد أن رآها في الحلم وشبع منها... ولكنه لم يجدها... دمعت عيناه ظنا منه أنهم إنتهوا منها ولم يذكروه بشيء منها... ولكنه لم يجد أثرا لأغلفتها في القمامة... أين هي...وأين أمي؟  ليتوقف عنده كل شيء بدخول أمه عائدة من زيارة صديقة لها... فركض مرحبا حزينا متسائلا... ماما أين علبة الشكلاتة التي إشتريتها لي؟
ليس الآن يا حبيبي ماما متعبة الآن... لتجلس ممسكة بهاتفها تخبر صديقتها عن جمال وروعة العزومة التي أقيمت اليوم وأنها إستحت أن علبة الشكلاتة التي اخذتها هدية لم تكن في المقام وكانت اقل هدية... فيخفض رأسه وينصرف والدمع عالق يأبى الإنزلاق على خديه...

موقف قد تعدها الأم بسيطة... ولكنها في عقل الطفل مؤثرة عميقة... 
فإن كبر الطفل على ذلك دون وجود إهتمام من الأم بهذه التفاصيل وكذلك دون إفراط في توفير ما يريد ودون تدريب وتهذيب للرغبات والحوار المستمر والحديث العاقل بين الأهل والأولاد حتى يتربى فيهم المنطق ويجدوا سببا لكل ما يفعل الأهل ويقتنعوا أن كل ما يفعله الأهل حقا هو في مصلحتهم... فإن غريزة الحصول على ما يظن أنه أخذ منه وهو حقه ستغلب عليه ليجد وسائل متعددة للحصول على ما يريد متى ما أراد دون علم الأم متحاشيا رعودها والأعاصير... وهي تتساءل عن من أخذ قطع الشكلاتة وأعاد العلبة في مكانها كأنها لم تمس؟ وأين إختفى الدينار الذي كانت وضعته على حافة النافذة لشراء الخبز وتشك في أنها أصبحت تنسى كثيرا وتزداد إحراجاتها مع الضيوف عندما تكتشف أن صحن الحلويات الذي خبّأته أكل الفأر نصفه ويزيد ...

مثال فقط عن كيف للأم أن تعلم أولادها السرقة... وقد تتنوع الأساليب وكلها يتمركز في عدم الإتزان في الإهتمام بنفسها وبيتها وأولادها الذين غالبا ما ينسى الأهل أنهم إنسان وإن كان صغيرا وإن كان لا يجيد محاججتك وإن كنت أباه أو أمه فلا يعني ذلك أنك ملكته فمهمتك ليست التحكم فيه إنما إعداده حرثا للآخرة حينما ستهرب منه أو تجد أعمالا متراكمة قام بها هو وذريته فرفع قدرك...

كن متزن في التعامل مع الأولاد لا تعودهم على توفير كل شيء ولا تقطع عنهم كل شيء وتعطيهم فضلات ضيوفك... وازن بين حزمك ودلالك وإياك والتحجج بهم لتوفير ما لا تستطع توفيره...
يفهم الأطفال كل شيء إذا ما أعطيتهم الفرصة ليفهموا... 
فعلمهم أن الشراء يكون عند الحاجة وليس عند الرغبة... إن أردت أن تدربهم للحاضر ولمستقبل لن تكون فيه معهم.
علمهم أن يوفروا ثمن ما يرغبون في شراءه وساعدهم على التوفير حتى وإن كنت تملك ثمنه حالا... ليتدربوا على الصبر لا على الإلحاح للحصول على رغباتهم والشهوات.
عودهم أن لكل شيء وقته المناسب ليتعلموا الصبر ولا تنسى أن تعلمهم أن قيمتهم ليست فيما يملكون من ماديات، إنما فيما في قلوبهم من تقوى الله وحبه... إزرع فيهم القناعة... وربما عليك أن تزرعها في نفسك كي تستطيع مدهم بها.

سؤال: لما تحدثت عن الأم ولم تقل الأب ؟
الأمر مشترك بين الأبوين ولكن كما قالت التي سمع الله قولها وهي تجادل النبي... إن دفعتهم إليه ضاعوا وإن أخذتهم إلي جاعوا... وذلك لأن الأم أقرب لإبنها في سنواته الأولى من والده، وهي من يهتم بتنشئته... وهي كذلك على الأقل حتى يبلغ السابعة من عمره
وبما أنك عرفت ذلك... فحاول أن توازن بين صلتك بأولادك وبين رغبتك في تدريبهم وتربيتهم والبحث عن الستر مع الضيوف، ولا تقل لا ذنب لهم من دون الآخرين لا أريد أن أحرمهم... والحرمان ليس في الماديات... إنما الحرمان فيما تمنحهم من حنان وعاطفة وتجهيز للغد...


شكراً...