الخميس، 1 سبتمبر 2016

كيف تخشع في الصلاة؟

By 12:28 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 



هل سمعت من قبل عن حاتم الأصم قوله كيف يخشع في الصلاة : 
“يروى عن حاتم الأصم رضي الله عنه أنه سئل عن صلاته فقال إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي ثم أقوم إلى صلاتي وأجعل الكعبة بين حاجبي والصراط تحت قدمي والجنة عن يميني والنار عن شمالي وملك الموت ورائي أظنها آخر صلاتي ثم أقوم بين الرجاء والخوف وأكبر تكبيرا بتحقيق وأقرأ قراءة بترتيل وأركع ركوعا بتواضع وأسجد سجودا بتخشع وأقعد على الورك الأيسر وأفرش ظهر قدمها وأنصب القدم اليمنى على الإبهام وأتبعها الإخلاص ثم لا أدري أقبلت مني أم لا”

وبعد أن سمعت، أتشعر أنك بعيد كل البعد عن هكذا إحساس و خضوع و خروج من الدنيا أثناء الصلاة … ؟

إن كنت تشعر بذلك … فلست وحدك … فكلنا كذلك “ إلا من رحم الله “ ولكن كيف لنا أن نخشع حقا في صلاتنا؟

ولعلنا بحاجة لفهم معنى الخشوع حتى نعرف إن كنا نصيب منه في صلاتنا أم لا … و معنى كلمة خشوع حسبما ورد في أغلب الموارد و المعاجم يتلخص في :
الدخول في حالة الخضوع و الإستسلام التام و السكينة و الإنكسار وخفض البصر و حضور النفس بمشاعر الرهبة و الإحترام و التبجيل و التعظيم و الخوف . 

ومن مرادفات كلمة خشوع : 
“ إِسْتِسْلام , تَبَتُّلٌ , تَواضُع , خُضُوع , سُكُون ، إِجْلال , إِحْتِرام , إِعْتَبار , تَزَهُّد , تَعَبُّد , تَمْجِيد , تَنَسُّك , تَوْقِير , حُظْوَة , مَكَانَة , هَيْبَة , وَقَار “


ألا تفكر في زيارة الطبيب مباشرة بمجرد شعورك بتوعك صحي (عافانا الله وإياك) …ولكن لماذا ونحن كبشر نتشارك في صفات إنسانية واحدة وأجسادنا متشابهة في كل شيء … لماذا نشعر بالحاجة للذهاب إلى الطبيب بدلا من وجود قائمة واحدة ثابتة تنفعنا جميعا للعلاج و تخفيف الآلم؟ 
قائمة تقول أنك إذا شعرت بألم في هذا العضو مباشرة خذ هذا الدواء و إنتهى؟

أي منطق هذا الذي تتحدث به؟

هو بمنطق التعميم الذي نستعمله غالبا (إلا من رحم الله) في كل شيء لوصف كل من رأينا عليه علامة من العلامات التي تشبه ما به على غيره حكمنا … 
ولعلنا نرى الآن أن منطق التعميم لا يصلح ولا يصح لتحكم به على شخص ما دون أن تعرف خصوصياته و تفاصيل ظروفه و أحواله ، حتى تستطيع إصدار الحكم الصحيح ، كما يفعل الطبيب الذي يشخص الحالة ليصف لها العلاج المناسب لها دونا عن غيرها من الحالات المشابهة في أجساد أناس مثله تماما … 
و هذا أيضا ينطبق على حالة الفتوى في الدين … 
وبالتأكيد سمعت أكثر من مرة عن أحاديث يسأل فيها الصحابة النبي عن كيف يجاورونه في الجنة … و تجد أن الإجابات تختلف بين كل من سألوا ذات السؤال لذات الشخص الكريم الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم … 

فيصور البعض أن عمل المفتي أو الطبيب أو صاحب الخبرة و العلم ، كعمل الخياط تماما … وتصور أن تجلب قماشا لخياط ليفصل لك ثوبا على مقاسك و تجد أنه فصله على مقاس الحاج أحمد عريض المنكبين منتفخ البطن طويل الأكمام … وأنت عندما تسلم على الحاج أحمد ترفع يدك إلى أعلى لتطاله؟


كذلك الإجابة على سؤال كيف أخشع في الصلاة ينطبق عليه هذا التفصيل … 

و بالعودة إلى قول حاتم الأصم رضي الله عنه … و غيرها الكثير من الأقوال فإننا قد لا يناسبنا أن ننطلق مباشرة من حالنا الذي نحن فيه من ضعف قوتنا و إيماننا إلى تلك المرتبة التي حقا نتصور ما يتصوره حاتم رضي الله عنه … بدلا من التفكير فيما سأفعله بمجرد الإنتهاء من الصلاة أم أنهم سيكملوا أكل البيتزا قبل أن ألتحق بهم …

يمكننا وصف تلك المرتبة أنها التخصص أو الدكتوراة و نعترف أننا نحن مازلنا في التمهيدي أو الروضة في هذه الأمور (وبالتأكيد هناك منا من هو في الدكتوراة أيضا ومنا من هو عالق في الشهادة الثانوية لم يستطع تجاوزها ومنا حقا من هو في الإبتدائي ومنا من لم يصل إلى السن القانوني للإلتحاق بالمدرسة بعد ) 

فكيف يمكنني أن أسلك الطريق إلى أفضل ما يمكن لمن هو في الروضة أن يفعله لكي يشعر حقا بأنه يخشع في الصلاة ؟

وصف أحد العلماء مسألة الخشوع في الصلاة لمن هم مثلنا بهذا الوصف : 
إدراك ما تفعله أثناء صلاتك . أي أن تقف و تصلي و أنت تدرك ما تفعله في كل شيء تفعله …
إعتبر أن هذا يعتبر من الخشوع لمن هم في مستوانا … 
فهل نستطيع أن نحقق هذا الشرط ؟ 
أن ننتبه حقا لكل فعل نفعله في صلاتنا و نؤديها على أكمل وجه لا سهو ولا نسيان و إنتباه 
  • أن نبدأ تهيئة أنفسنا للصلاة منذ لحظة عزمنا على القيام لها و أداء الوضوء
  • أنني الآن أقف أمام الخالق بأمره أطيعه لأجل مصلحتي وهو غني عني و عن العالمين 
  • أنني الآن أقرأ كلام الله و قوله وأردده و علي أن أستمع لنفسي و أركز فيما أقول جيدا و أستحضره
  • أركع عندما أركع … لمن أركع ؟ تشعر و تتذكر جيدا أنك الآن تركع لله الملك القهار مالك الملك ، الذي أنت تقف أمامه و تسبحه و تعظمه
  • تقف مجددا لتحمده على أن منحك القدرة على أن إنثنى ظهرك حتى إستطعت الركوع و الوقوف ثانية 
  • ثم تسجد وأنت تعرف جيدا “وتحدث بها نفسك”  أنك تسجد للرحمن الرحيم ، تدعوه و تقترب منه و تتضرع إليه بكل ما في قلبك و كل ما تريد وأنت موقن أنه يسمعك و يعلم ما تريد ولكنه يحب أن يسمعك تطلبه
  • تجلس وأنت تعلم أنك كنت قريب من ربك وأنك ستعود تقترب و تفتح قلبك أكثر و تدعوه و تسبحه و تعظمه 
  • تستمر على هذا التفكير بينك و بين نفسك حتى تنهي صلاتك ، حتى تستشعر وقوفك بين يدي الله 

وكلما نجحت في إجتياز مرحلة ستجد أنك في مرحلة جديدة ستبحث عن ما يزيد خشوعك في الصلاة … و ربما نحن حقا بحاجة لمعرفة صحيحة واضحة صريحة أكثر مما لدينا عن من نقف أمامه في الصلاة … فعندما تعرف أنك واقف أمام ملك الملوك الواحد القهار … و تعي معنى ذلك … سيخضع قلبك و تخشع جوارحك و تعرف حقا لذة الخشوع في الصلاة و تستريح بها لا تستريح منها … 
أتذكر إحساسك و شعورك عندما تطلبك الإدارة بدون أي مقدمات و تقف في الممر تنتظر مقابلة المدير؟
فما بالك عندما ستقابل ملك الملوك الواحد القهار؟ ( و لله المثل الأعلى ) 

تذكر جيدا… قد يكون عمل شخص ما أقل من غيره في ظاهره ولكن لأنها حدود قدرته التي يستطيعها وهو يفعل حقا أقصى ما يستطيع ولا يتهاون في ذلك، فإنه يكون أفضل حالا ممن يراه الجميع يفعل أكثر ولكنه في الحقيقة يستطيع أكثر من ذلك ولا يفعله، فهو إذا أقل من الآخر لأن أحدهم يفعل كل ما باستطاعته والآخر لا يفعل … فإبحث عن ما تستطيع أنت و منه إلى مراتب أعلى تطور... 


شكراً...